الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد عبد الله ورسوله، وبعد: فأذكر منذ سنوات أنه مر أحد قادة المجاهدين إلى الكويت وكنت أخطب في بعض المساجد، فظننت أنه يريد أن يجمع شيئاً من المال يعين به المجاهدين، فتكلمت في هذا المعنى، فقال -وهو يحسن العربية-: أنا لم آتِكم لأتسول منكم، ولا أريد أن أجمع مالاً، ومن كان منكم يريد أن يدفع شيئاً من المال للمجاهدين فهناك لجان كثيرة تجمع للمجاهدين، ولكن الذي أريد أن أقوله لكم: إن ما تدفعونه فإنما تدفعونه لأنفسكم، وأنتم محتاجون إلى المال الذي تدفعونه، ولسنا نحن الذين نحتاجه.
ومعنى كلامه صحيح؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}[العنكبوت:٦] فالله غني عنا، وغني عن جهادنا، وغني عن أموالنا، فينبغي للإخوة الذين يعينون إخوانهم أن يستشعروا هذا المعنى، قال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}[البقرة:٢٦١].
فأنت إنما تزرع لتحصد، فأنت بحاجة إلى ما تزرعه، وعندما تعطي لتستثمر أموالك عند الله تبارك وتعالى فأنت بحاجة إلى ذلك، وأنت بحاجة إلى أن تنفقها في سبيل الله؛ ليكون لك ذلك ذخراً عند الله تبارك وتعالى.
وبعض اللجان يقوم عليها رجال أخيار، وهي تجمع للمجاهدين لتؤوي نساءهم وأطفالهم ومرضاهم، والذين أصيبوا في المعارك مع أعداء الإسلام يحتاجون إلى عناية وأدوية، ويحتاجون إلى أطباء، فهم يحتاجون إلى شيء تقدمه في هذا المجال، سواء كان ما تقدمه لنفسك قليلاً أم كثيراً، ودرهم سبق ألف درهم، ودينار سبق ألف دينار، وقد يعطي الإنسان ديناراً فينال من الأجر ما لا يناله من ينفق ألفاً، فقد يكون هناك غني عنده ملايين، وأنت ليس عندك مئات، أو ليس عندك ألوف، فهذه القلة إذا قارنها الإخلاص عظم الثواب والأجر عند الله تبارك وتعالى؛ لأن الله تبارك وتعالى يجزي على الذرة.
إن هذا الإنفاق في سبيل الله جهاد، فالجهاد عندنا جهادان: جهاد بالنفس، وجهاد بالمال، فإذا لم يقدر الله لك أن تكون مجاهداً بنفسك فلا أقل من أن تجاهد بشيء من مالك، وستجده عند الله تبارك وتعالى عندما يبعث العباد ويقفون لرب العالمين، فتجد ما قدمت بين يديك يقيك لفح النار، وغضب الجبار، وقد يستنزل رحمة الله تبارك وتعالى عليك، وقد يقيك من أهوال يوم القيامة.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريبٌ مجيبٌ سميع الدعوات.