وهناك نوع آخر أشد بعداً من النوع الأول، وهو أنَّ بعض الناس يرون أنه لا يجوز أن ينتظم الناس في جماعة.
فيقولون: انتهى عصر الخلافة والإمامة، وليس للناس الآن إلا أن يعتزلوا في الكهوف وفي الغابات وتحت الأشجار، وعلى رءوس الجبال حتى يبعث الله المهدي، وعند ذلك يعود للمسلمين أمرهم وشأنهم.
فيجعلون الانتماء إلى أي جماعة ما جريمة من الجرائم، ويوردون الأدلة على أن هذا خراب، ويحتجون بحديث حذيفة رضي الله عنه:(كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير) إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليه قذفوه فيها.
قلت: فما تأمرني -يا رسول الله- إن أدركتهم؟ قال: إن كان للمسلمين جماعة وإمام فأنت معهم، وإلا اعتزل تلك الفرق كلها) فيقولون: كل هذه التجمعات الموجودة في الساحة التي تدعو إلى الله هي الفرق التي ينبغي أن يعتزلها المسلمون؛ لأنهم دعاة على أبواب جهنم.
وبعض الناس اعتزل الآخرين هرباً من حياته أو من وظيفته أو من تدريسه أو من تعيينه، وذهب إلى الكهوف بعيداً عن الناس، ليكف عنهم خيره وشره، ويأكل مما تخرجه الأرض، ويشرب من مائها.
فهذا مزلق من المزالق الخطيرة سببه سوء الفهم لما تضمنته نصوص الآيات والأحاديث، فالله سبحانه وتعالى لم يرد منا أن نعتزل الناس إلا عندما يكون أمامنا دعاة على أبواب جهنم، أما إذا كنا لا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي بعض، ونتعاون على البر والتقوى، ونعيد المسيرة الإسلامية مرة أخرى كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما بدأ الإسلام غريباً فتجمع عليه أهله، ثم تصارعوا مع الباطل فصرعوه، فذلك واجب لابد منه.