إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: اعلموا أيها الإخوة! أن القلوب قد تقسو، وأن الأرواح قد تجف، وإذا قست القلوب وجفت الأرواح فقد المرء خيراً كثيراً؛ ولذلك سمى علماؤنا من السلف الصالح الأبواب والكتب التي تجمع الآيات والأحاديث التي تزيل قساوة القلوب وترقق الأرواح:(بالرقائق).
فقلما تجد كتاباً من كتب الحديث إلا وتجد فيه باباً للرقائق، فيذكرون فيه قيمة هذه الدنيا وسرعة زوالها، ويذكرون فيه الموت وأهواله، والقبر وفتنته وعذابه، ويذكرون البعث والنشور والجنة والنار، وما جاء في ذلك من الأخبار الصادقة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يديم تذكير أصحابه بهذه الحقائق، فترق قلوبهم، وتدمع أعينهم، وتخشع أنفسهم، ويخبتون إلى ربهم تبارك وتعالى.
وقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً يحدث أصحابه فقال:(أيها الناس! إنكم تحشرون حفاةً عراةً غرلاً)، ثم قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:١٠٤].
أيها الناس! اذكروا يوماً ترجعون فيه إلى الله تبارك وتعالى، فتبعثون فيه من قبوركم كما ولدتكم أمهاتكم، فقد جئتم إلى الدنيا لا تملكون ثوباً أو نعلاً، بل جئتم فرادى، وكذلك تبعثون، فتبعثون حفاةً ليس في أرجلكم نعال، عراةً ليس على أجسادكم ما يواري سوءاتكم، غرلاً كما خلقكم الله غير مختونين.
ثم قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:١٠٤]، فمصير هذه الدنيا إلى زوال، ومصير البشر إلى فناء، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨].