[الأخوة الإسلامية ودورها في أداء أمانة الله تعالى]
إخواني! إن هذه الأمانة لتحقيقها في واقع الحياة تحتاج -كما أشرت- إلى جهود متكاتفة من المسلمين الذين فهموا ثقل الأمانة، فهي أمانة كبيرة ثقيلة تحتاج إلى جهود، والذي يجمع هذه الجهود هي الأخوة في الله، فإن المسلمين اليوم قصروا في حقوق الإخوة، فالإخوة في الله واجبة لكل من انتسب إلى هذا الدين وكان صادقاً في انتسابه على تفاوت فيما بين المسلمين، والإسلام يقرر هذه المسألة حقيقة بدهية، حيث يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠]، وذلك أن الروابط بين المسلمين روابط قوية، فالله ربهم، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولهم، والقرآن كتابهم، وآدم أبوهم، وحواء أمهم، وتجمعهم قبلةٌ واحدة، ويصومون في شهر واحد، ويؤدون أعمالاً مشتركة في أموالهم، وفي أقوالهم، في وحدة ليس لها نظير أبداً.
ولذا كانت النتيجة المنطقية أن يكونوا إخوة فيما بينهم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠].
وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة تشبيهات رائعة، حيث جعلها كالجسد الواحد، وإذا نظرت إلى خلايا الجسد فستجدها مترابطة مع بعضها، فخلايا الجسد متماسكة فيما بينها من قمة رأس الإنسان إلى أخمص قدميه، وأجزاء الجسد مترابطة فيما بينها، فاليد بعيدة عن الرجل ولكنها تشعر بشعورها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وشبههم النبي صلى الله عليه وسلم ببنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً، ويصفهم ربهم سبحانه وتعالى في كتابه بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩].
فالمسلمون تجمعهم أخوة، والأخوة لها حقوق فيما بين المسلمين، أما أن ينتسب المسلمون إلى الإسلام ثم يأكل بعضهم بعضاً، ويطعن بعضهم في بعض، ويجرح بعضهم بعضاً، ويغتاب بعضهم بعضاً ويقولون: نحن الذين نرفع راية الإسلام فهذا الانتساب دعوى لا برهان عليها.
واليوم نحتاج إلى أن يعيد المسلمون النظر فيما هم عليه، فالمسلم ليس بمغتاب ولا نمام ولا مفسد ولا قاطع لما أمر الله به أن يوصل، وإنما هو ناصح كما قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وهكذا المسلمون فيما بينهم، ينصح بعضهم بعضاً، ويحققون أمر الله في أنفسهم وفي إخوانهم، فصحيح أننا نحارب الباطل، وهذا أمر مطلوب، لكن بالتي هي أقوم وأحسن، فلا أكتم الحق، وفي نفس الوقت أحافظ على كرامة أخي المسلم، وأحافظ على عرضه، وأحفظه في غيبته، وقد أختلف معه في أمر ما، وقد أختلف معه في حكم ما، ولكن تبقى له حرمته، فحرمة المسلم عظيمة، والكثير منا يستهين بحرمة أخيه المسلم.
وأنا أقول -ولعلي لا أجاوز الحقيقة-: إن الأخوة تذبح بين المسلمين في هذه الأيام ذبحاً وتهدر، وقد يلاقي المسلم اليوم من إخوانه عنتاً أكثر مما يلاقيه الكفار من المسلمين، وقد لا يتصدى المسلم للكفار بمقدار ما يتصدى للمسلمين، وهذا من سوء التصرف، والعياذ بالله.
فينبغي للمسلمين أن يراجعوا أنفسهم في هذا الأمر، وأن يحسنوا التعامل فيما بينهم، وقد يخطئ المسلم وقد يؤذي، وهذه أمور تعالج فيما بين الاثنين، لكن أن يصل الحال بين المسلمين إلى قطيعة وهجران، وأن يصل بين المسلمين إلى عداوة وبغضاء فذلك ما لا يجوز.
فلكي يستطيع المسلمون حمل الأمانة لابد من أن يحيوا معاني الأخوة فيما بينهم، وأن يحيوا حقوق الأخوة فيما بينهم، وأن يتجنبوا ما يقطع جذور الأخوة ويهدمها، وينبغي أن يحيوا معاني الإخاء الكريم الذي عاشه المسلمون في الماضي، ينبغي أن يحيوه من جديد، وأن يطهروا أنفسهم من الخيلاء والغرور والكبرياء، فهذه أمراض قاتلة تهدم الإسلام في نفوسهم وتقطع ما بين المسلمين من صلات، وتهدم بناء الأخوة، وتجلب العداوة والبغضاء.
وهناك حقوق للأخوة بينها الإسلام، ومنها: أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وأن تكره لأخيك ما تكرهه لنفسك، وأن تكون حريصاً على أخيك وعلى ماله وأهله كما تكون حريصاً على ذلك بالنسبة لك.
ومنها أن تسلم عليه، وتزوره، وتشاركه أفراحه وأحزانه، وتعينه، وتتجنب ما يقطع الأخوة معه من الحسد والتكبر عليه وغيبته، وما أشبه ذلك مما بينه الإسلام.