[كيف نعرض إسلامنا وكيف ندعو الكفار إلى الإسلام]
السؤال
هناك ثلاثة أسئلة يبدو أنها تدور حول محور واحد، هناك فئة من المسلمين تقول: إن علينا أن نعرض إسلامنا بشكل يتلاءم مع العصر؛ لأن الإسلام دين واقعي، وفئة أخرى تقول: علينا أن نلتزم بنصوص هذا الدين قرآناً وسنة؛ لأنه بهذا فقط يتحقق ما نريد، وليس علينا أن نتلاءم مع العصر.
فما هو التصور الصحيح لهذه المسألة الخطيرة التي ما زال الدعاة يختلفون حولها مما يؤدي إلى تشتت الجهود، وانقضاء العمر دون تحقيق ما نصبو إليه؟ وسؤال مشابه له: كيف نقدم الإسلام للنصارى الأمريكان ونوضح لهم طبيعة الأمة الوسط؟
الجواب
كلمة الواقعية ليست مصطلحاً إسلامياً، وهذه الكلمة لا يصح أن نصف بها هذا الدين؛ لأن كثيراً من هذه المصطلحات تحتمل أكثر من معنى، فلا بد أن نحدد المعنى المراد من هذه الكلمة، وإلا وقع أبناء المسلمين في لبس، وهذه مشكلة كثير من المصطلحات التي جاءتنا من الفلسفات والمناهج والمبادئ المختلفة، والتي أطلقها بعض الناس على الإسلام أو على مفاهيم إسلامية؛ فأوجدت شيئاً من الغبش في فهم الإسلام.
فإذا أردنا بالواقعية: أن نعيش عصرنا كما هو، وأن نطبق الإسلام بنصوصه ومفاهيمه، مع استخدام وسائل العصر، فلا بأس، كالميكرفون والشاشة والمسرح، والذي يستخدمها الشياطين كذلك في بث عقائدهم.
ففي الماضي كنا نركب إلى المؤتمرات وإلى مكان الدعوة الجمال والحمير، واليوم نركب طائرة تسير بنا في يوم واحد ما لا تسيره الإبل في عام كامل.
كذلك المسجلات والتلفزيون، فهذه وسائل أنا أستخدمها في بث الحق ونشره.
لكن أن أطوع الإسلام للواقع الذي أعيشه هذه قضية أخرى، وهي مرفوضة، فلا أطوع الإسلام لمفاهيم العصر وأخجل من إسلامي، وأخجل من ديني.
ولا أطوع هذا الإسلام ليتفق مع الثقافة والحضارة والفكر الغربي، ولا أوائم بين الإسلام وبين هذه الثقافة فآخذ من الإسلام ما يتفق معهم كما هو الحال بالنسبة للمؤتمرات النصرانية الإسلامية التي تريد أن تقرب بين الإسلام وبين النصرانية، وكما هو الحال في الذين يريدون أن يقربوا بين الفلسفة وبين الإسلام، وكذلك رجال القانون الذين عقدوا أكثر من مؤتمر في ديارنا ليوائموا بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، فهذا أسلوب مرفوض، وهذا ليس واقعياً، بل هذا تحريف وتشويه للإسلام.
فنحن نعيش عصرنا بأصالتنا، ونعيش عصرنا بإسلامنا، وميزة هذا الإسلام أنه لا يوقف الحياة الإنسانية، بل يسمح للحياة الإنسانية بأن تمضي وأن تشق طريقها، ولكنه يبقي إطاراً يحكم الحياة الإنسانية بكل تصرفاتها، ويحكم عليها بالصواب وبالخطأ، ولكن لا يضعها في قوالب جامدة؛ لأن الأحكام الجزئية الدقيقة تأتي بأمور لا تتغير عبر الزمان ولا المكان، فالطعام والشراب واللباس منه الحلال ومنه الحرام، وهذا لا يتغير باختلاف العصور.
لكن الأحكام الشرعية في قضايا المعاملات جاءت بثوب فضفاض، ففيها قواعد ومبادئ وضوابط يستطيع المسلمون في ظل هذه المبادئ والضوابط أن يقلبوا أمورهم، وأن يسوغوا حياتهم بما يتناسب مع عصرهم، بحيث لا يخرجون عن الإسلام، فالقضية في ظني ليست هي هذه أو تلك، إما أن ننسلخ عن عصرنا بحلوه ومره، وإما أن نغرق فيه بحلوه ومره، فالقضية ليست كذلك، بل علينا أن نأخذ من عصرنا وسائله المباحة في نشر الإسلام، لكننا في مجال الحياة نطبق هذا الدين ولا نرضى به بديلاً.
أما بالنسبة لمناقشة النصارى ونشر الإسلام بالحقائق العلمية، فقد كنا في الطائرة مع شاب باكستاني يعرض هذه القضية، وكان عرضه لهذه المشكلة أن يقنع الناس في بلاد الغرب بأن الخنزير ضار، فكان جوابي: أنك لو أقنعتهم بأنه ضار فقد لا يسلمون، ألا تراهم يقتنعون بأن الخمر ضار ثم لا يسلمون؟ فهل سيسلمون إذا اقتنعوا بأن الخنزير كله ضرر؟! فلو بعث محمد صلى الله عليه وسلم في هذا العصر، ولو جاء أبو بكر وعمر، ولو جاء دعاة الإسلام الأوائل، وقابلوا أناساً من هؤلاء فماذا سيفعلون بهم، وماذا سيقولون لهم؟ لاشك أنهم سيدعونهم أولاً إلى التوحيد، وإلى الإيمان، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح، وإذا صلح العباد أصلح الله البلاد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].