[المزلق السابع: مداهنة الحكام الظلمة في الدعوة]
ومن الأمور التي تعد أيضاً من المزالق: تطويع دعوة الله سبحانه وتعالى للظلمة والطغاة باسم الإسلام، وباسم اللين في الدعوة وإحسان الدعوة، فلا يطوع العمل الإسلامي ولا الجماعات الإسلامية للطغاة والظلمة، فهذا مزلق خطير وقع فيه أناس يزعمون إحسان الدعوة، وأنهم يفهمونها حق فهمها.
إن دعوة الله تقوم على العبودية لله، ونبذ الطغاة والظالمين، وكثير من الناس أو بعضهم لا يريد أن تكون الدعوة شديدة صعبة، إنما يريدونها أن تكون لينة، فمواجهة الظالمين والطغاة أمر ليس بالسهل؛ لأنهم يملكون المال، والحكم، والرجال، ويقطعون الأعناق.
ثم يبرزون لهذا في أشكال مختلفة، منها: أننا نريد أن نصلح الحاكم فيصلح الناس، وأن الحكام قريبون من هذه الدعوة، فهذا وساوس الشيطان.
وقد أحسن بعض الناس الظن بالحكام في ديارهم، أنهم أخيار أبرار صالحون، ثم اكتشفوا بعد ذلك أنهم ضيعوا فترة ذهبية من تاريخ الدعوة إذ مدوا أيديهم إلى الحكام، وأن هؤلاء الحكام يتلاعبون بهم مرة بعد مرة، ومع ذلك فإن الدعوة هذه مستمرة.
فينبغي أن ييئس الناس من شيء اسمه حاكم في هذه الأيام، وأي وقت يقضيه الدعاة في إقناع غيرهم في أن هؤلاء الحكام يمكن أن يكون الإصلاح من طريقهم، فهم يؤخرون مسيرة الدعوة إلى الخلف.
فما رأينا في تاريخنا الحديث حاكماً يبشر بالخير في عالمنا الإسلامي والعربي أبداً، فكلهم وقفوا في وجه الدعوة الحقيقية، وعندما نقبل بأنصاف الحلول نرضى مسجداً من الحاكم، أو أن يطيل في إذاعة القرآن الكريم بعض البرامج الإسلامية، أو أن ينفق على بعض المشروعات الإسلامية، ثم نقول: هذه هي الدعوة، وهذا هو الإسلام بيننا وبين الحاكم.
وعندما نقول نريد حاكماً بالإسلام ولا نرضى إلا أن يحكم بالقرآن، عند ذلك يكشر لنا عن أنيابه، ويشهر سيوفه في وجوهنا.
وليس هناك من سبيل إلا أن يكون عمل وبناء، ثم مواجهة شئنا أم أبينا، قريباً أم بعيداً، لابد أن نفهم أن هذا هو الطريق، وأن حكامنا يمسكون بالكرسي، بل يقيدون أنفسهم به ولا يخرجون عنه إلا موتى، ولا ينتقل أحدهم منه إلا إلى القبر، لا يرضى أن يتركه فارغاً لغيره أبداً، مسلماً كان أو غير مسلم.
وقريب من هذا المزلق أن نصفهم بأنهم مسلمون ومؤمنون وحكام الإسلام، وبالتالي نصبغ عليهم ما كان يطلق على الحاكم المسلم من قبل، وبالتالي ليس هناك من فائدة للعمل الإسلامي والجماعي، فالناس بخير ما دام هؤلاء الحكام مسلمين، والمسألة إنما هي مسألة تغيير لشيء من الباطل.
إن قوماً نبذوا الشريعة الإسلامية، وألقوها وراء ظهورهم، وجاءوا بشريعة أخرى غير الإسلام تحكم الحياة، وحكموها في رقاب المسلمين وفي أعراضهم، ثم بعد ذلك يقال: إنهم مسلمون، ونتناسى كتاب ربنا الذي يحكم في هؤلاء الحكام فهذه قضية تحتاج إلى تفكير.
فلو قال قائل: أنا مسلم أصلِّي وأصوم، لكن التشريع الذي سأطبقه هو القانون الروماني، أو الشريعة اليهودية، فيعتبر كافراً، فلا تنفعه صلاته ولا صومه؛ لأنه طبق الشريعة اليهودية أو القانون الروماني، وكذلك الذي عزل الإسلام عن الحياة وجاء بشريعة مخلوطة من القوانين الرومانية والفرنسية القديمة والحديثة، ومن الإسلام وجزئياته فالقضية بينهما واحدة، لا تختلف إلا أن الأول كان صريحاً والآخر كان خبيثاً ماكراً.
فهذا مزلق ينبغي للمسلمين أن يتبينوا أمرهم فيه، ويعلموا حقيقة هؤلاء الحكام وموقفهم من الإسلام؛ لأن مواقفهم ستبنى على هذا الأساس.