علمنا الله تبارك وتعالى أنه مالك السماوات والأرض، وقيوم السماوات والأرض، بيده ملكوت كل شيء، الأمر أمره، والقول قوله، والحكم حكمه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، له جنود السماوات والأرض، وعنده خزائن السماوات والأرض، فهو المستحق أن يعبد، وأن يتقى، وأن يستسلم له، وأن يخضع له، وأن يتوكل عليه، وأن يسأل وحده تبارك وتعالى؛ لأنه المالك لذلك كله.
تطلب من الله تبارك وتعالى طعامك وشرابك، وأن يعينك فيما يواجهك من مشكلات، ذاك أمر لا بد منه، وأيضاً هدايتك وتوفيقك لما يحبه الله تبارك وتعالى لك، أن يوفقك ويهديك لما يحبه ويرضاه، كما فعل الصالحون من قبلنا والأنبياء والرسل وهم يواجهون أقوامهم.
ثم في نصرهم على عدوهم والعصبة المؤمنة تواجه عدوها، تواجه الباطل والشر في صراعها، ليس لها ملجأ إلا أن تعتمد على الله تبارك وتعالى، وأن تتوكل على الله عز وجل، لم يكونوا يفعلون كما فعل المتأخرون أو بعض المتأخرين عندما وصلت جيوش نابليون إلى مصر، اجتمع علماء الأزهر في ذلك الوقت يقرءون صحيح البخاري وصحيح مسلم، لعل ذلك يدفع الجنود الفرنسيين عن بلاد الإسلام، ولكن بعد معركة أحد عندما ظن المسلمون أن المشركين قد يعودون إليهم ليستأصلوهم، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين جرحى متعبين، خرج إلى حمراء الأسد على بعد سبعين كيلو متر من المدينة، وعندما مر بهم قوم لقنهم أبو سفيان أن يقولوا للمسلمين: إن أبا سفيان وقومه عائدون إليكم ليستأصلوا شأفتكم، وليزيلوكم من الوجود، قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم خليل الرحمن عندما ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:١٧٣] امتثالاً لقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال:٦٤].
قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق:٣] أي: أن الله تبارك وتعالى كافيه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم بذل الأسباب، فأخذ ما يستطيع من قوة من أصحابه وما معهم من سلاح، فبذل السبب الذي يمكن أن يبذل، ولكنه لم يعتمد على السبب، وإنما اعتمد على رب السبب، اعتمد على الله تبارك وتعالى، فعندما كان يهاجمه المشركون ما كان يجلس في بيته ليقرأ القرآن، ويتلو آيات الكتاب، ويعظ الناس في المسجد، وإنما كان يجمعهم ويحثهم على أن ينفقوا في سبيل الله، فيشتري السلاح وآلات الحرب، ويشتري الخيل والجمال، ويخرج للعدو، وينظم صفوفه.
خرج في يوم أحد وقد ظاهر بين درعين، الواحد فوق الآخر، وكان سيد المتوكلين صلوات الله وسلامه عليه، فهذه أسباب ولكن قلبه معلق بخالق الأسباب.
حكمة الله تبارك وتعالى إذا جعت أن تأكل، وإذا عطشت أن تشرب، وإذا رأيت أفعى أن تقاتلها، وإذا جاءك عدو أن تستعد له، فلا بد من اتخاذ الأسباب، ولكن فوق الأسباب رب الأسباب، بيده النصر، وبيده ملكوت كل شيء، يعينك ويسددك ويوجهك.