قال الله تعالى:{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}[طه:١٦] إياك أن يصدك ويمنعك عن التطلع للآخرة والنظر لوقوفك بين يدي الله تبارك وتعالى من لا يؤمن بهذا اليوم، وكان نظره محصوراً بهذه الحياة الدنيا، لا يستطيع أن ينظر إلى أبعد من موطئ أقدامه، ضل عن الآخرة فهو يعمل لهذه الدنيا حبيساً فيها لا يفكر إلا في متاع دنيوي عارض، وشهوة عارضة، حياته هنا، وهنا جنته، وهنا ناره، فإياك إياك أن يصدك عن الإيمان باليوم الآخر وعن العمل لذلك اليوم! وإياك أن يكون سعيك ضائعاً في ذلك اليوم! ((فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)) فكل من لا يؤمن بيوم القيامة ولا يعمل ليوم القيامة فهو محكوم بالهوى، والذي يعمل لذلك اليوم يعلم أنه لا يوصله إلى ذلك اليوم ولا ينجيه في ذلك اليوم إلا أن يتبع وحي الله، وإن لم يتبع ما جاء الله به، فلا سبيل للارتقاء لملكوت ذلك اليوم إلا أن تعمل في هذه الدنيا من خلال الإطار الذي يريده الله لك، ومن خلال المنهج الذي يريده الله لك، فكل من لا يعمل لذلك اليوم فإنه يعمل بالهوى.
{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}[طه:١٣]، هذا الذي أوحاه الله إليك هو زبدة الرسالات السماوية، وهو مفاتيح النفوس البشرية، وهو مفاتيح المشكلات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية وغيرها، من لا يعلمه فقد كل شيء، وعاش في الدنيا ضائعاً تائهاً حائراً، لا يعرف سبيله، قد يكون فرداً وقد تكون أمة، وقد يكون شعباً، وقد تكون البشرية كلها حيرى ضائعة وتائهة، لا تعرف الطريق ولا تعرف السبيل، فمرة تظن القضية أنها صراع طبقات، كما يظنها مئات الملايين من البشر في هذه الأيام، وقد تظنها رفاهية الإنسان كما تعمل لذلك أمريكا وأوروبا وأكثرية الشعوب في هذا العصر الذي نعيش فيه، وقد يظنها بعضهم إنما هي ارتفاع أمة على أمة، وأن تكون أمة فوق أمة أخرى لتكون لها السيادة والعزة، كما حدث في كثير من فترات التاريخ، وتتيه البشرية في صحراء لا تعرف فيها دليلاً، ولا ترى فيها نجماً، فيلفها الشقاء فتضيع.