إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن ينبثق النور بعد عصور متطاولة من الظلم والظلام في بقعة نائية من عالمنا الأرضي، فما كان الناس يفكرون يوماً أن قيادة العالم ستنبعث من قلب الجزيرة العربية؛ فالدول المتحضرة والمتمدنة كالفرس والروم والأمم التي عندها بقايا من الحق كاليهودية والنصرانية كانت تتنازع القيادة السياسية والقيادة الفكرية في العالم، ولكن الله سبحانه وتعالى له حكمة، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:١٢٤] تكونت الأمة الإسلامية والجماعة الإسلامية والعصبة المؤمنة في قبائل وأمم متخلفة حضارياً، ليس لها رابط سياسي، وليس لها ملك يوحدها، ثم عند بدء اجتماع الكلمة لتحقيق الخير الكبير في حياة البشر لم يكن الطريق سهلاً، بل كانت هناك عقبات وصعاب في الطريق، فاحتاج المؤمنون بهذه الرسالة أن يبذلوا جهوداً مضنية في هذا السبيل، وكانوا بحاجة دائماً إلى الزاد وإلى تجارب الأمم من قبلهم، وبحاجة إلى أن يتعرفوا إلى سنن الله سبحانه وتعالى في خلقه وفي عباده، وكان القرآن الكريم يتنزل؛ ليكوِّن الجماعة المؤمنة، وليمدها بالعطاء والخير، وليعرض عليها كيف يجري قدر الله في عباده.