[المزلق السادس: جعل القضايا الجزئية بمثابة الكلية والعكس]
ومن المزالق أيضاً ما يسمى بالقضايا الجزئية والكلية، وهذا له جانبان: فبعض الناس يجعل القضايا الجزئية كأنها قضايا كلية، يشغل ليله ونهاره بها، ولا يفهم كليات الإسلام وهي: الأهم والمهم والأقل أهمية إنما يهتم بقضايا جزئية ويثيرها بين الأمة فتصبح هي مشكلات الحياة.
وبعض الناس في الجانب المقابل يعلم الجزئيات التي ينبغي أن يلتزم بها في حياته كمسلم في الصلاة والصوم وغيرهما، ثم يقول هذه أمور تافهة، فهذان خطآن في آن واحد.
والفصل في ذلك أن المسلم لابد أن يلتزم بهذه الأمور في خاصة نفسه، وفي صلاته وصومه وحجه وكذلك في سلوكه ومظهره، وما الإسلام إلا جزئيات، أما في واقع المسلمين فيقدم الأهم على المهم، فعندما يتحدث للناس ويبين لهم فإنه أولاً يهتم بالأصول فإذا ما استقرت في واقع الحياة، فعند ذلك يمكن أن يبني عليها في الفروع.
فإذا وجد إنسان لا يفهم العقيدة، فأنكر عليه لبس خاتم ذهب، وهو مشرك بالله سبحانه وتعالى.
أو وجد إنسان لا يصلي فأنكر عليه قضية اللحية، فهذان خطآن في طريقة التعامل مع القضايا الكلية.
ومن الأمور التي ينبغي أن يشار إليها أيضاً: العناية بالأفراد، أو ما نسميه بالعمل الفردي والعمل الجماعي، وللناس في ذلك اتجاهان: الاتجاه الأول: من الناس من يقول: لا فائدة من العمل الفردي، أي: تربية الناس فرداً فرداً، فلابد أولاً أن نسعى لإقامة الدولة الإسلامية بكل ما أوتينا من قوة، والأمور الأخرى كدعوة الناس، والعناية بهم، وتربية الأولاد الصغار وما أشبه ذلك، فهذه أمور سهلة ميسورة، عندما تتغير هذه الدنيا وتأتي الدولة الإسلامية.
والاتجاه الثاني: آخرون لا يفهم أصحابه إلا أفراداً يدعونهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينظرون إلى ما وراء ذلك، والإسلام وسط بين هذين الأمرين، قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:١٤٣].
فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ فرداً ودعا أفراداً، والأفراد كونوا جماعة، والجماعة اعتنت بالأفراد على الرغم من كونها جماعة، في دعوته وفي تربيته؛ لأنه هو الذي سيشكل في جسم الأمة لبنة جديدة، وفي جسم الجماعة لبنة جديدة أخرى، فهذا هو الأمر الوسط بين هذا وبين ذاك، ولابد منهما في آن واحد.