[الثبات في اللحظات الأخيرة من الحياة سبب لدخول الجنة]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله ورسوله.
أما بعد: فقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه (عن رجل قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله، وقال له العالم: إن لك توبة، فهاجر إلى أرض كذا، فإن أرضك أرض سوء، فهاجر إلى تلك الأرض التي فيها قوم يعبدون الله؛ ليعبد الله معهم، وأدركه الموت في منتصف الطريق، ولشدة رغبته في التوبة والإنابة إلى الله، بعد أن فعل الجرائم الكبار، وفي لحظات الموت وملك الموت يسل روحه، وآلام الموت يشعر بها في جسده كله؛ كان ينوء بصدره إلى الجهة التي يقصدها، ففي أثناء سكرات الموت استطاع أن يتحرك شبراً إلى الأمام، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فملائكة العذاب تقول: إنه قتل مائة نفس، فهو إلى جهنم، وملائكة الرحمة تقول: إنه قد جاء تائباً، ومهاجراً إلى الله، والتوبة تجب ما قبلها، والهجرة كذلك تجب ما قبلها كما في الحديث، فأرسل الله ملكاً يتحاكمون إليه، فقال لهم: قيسوا ما بين الأرضين، فإذا وجدتموه إلى الأرض السيئة أقرب فهو لملائكة العذاب، وإذا وجدتموه إلى الأرض الطيبة أقرب فهو لملائكة الرحمة، فوجدوه قد اقترب من الأرض الطيبة شبراً، وهو الشبر الذي تحركه وهو ينازع في الاحتضار).
ففي بعض الأحيان يكون حرصك على أن تبقى إلى اللحظات الأخيرة ثابتاً على الحق هو الذي يرجح دخولك الجنة، فإن حرص الإنسان على أن يبقى ثابتاً إلى أن يتوفاه الله تبارك وتعالى فلابد أن يكون دائماً في عمليتين: عملية الاغتسال من الذنوب والآثام وهي: (التوبة)، وعملية التقدم للأمام لتحصيل مزيد من الأجر والثواب، ولتحقيق مزيد من العبودية لله تبارك وتعالى، فقد تكون الساعات والأيام الأخيرة هي التي ترجح ميزان أعمالك فتدخل بها الجنة.
ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(اتقوا النار! ولو بشق تمرة) وربنا يحاسب على الذرة، فكم في نصف التمرة من ذرات؟ فالموازين عند الله تبارك وتعالى ليست كموازين البشر، فالتمرة عند البشر لا قيمة لها، لكنها في ميزان الله تبارك وتعالى لها قيمة كبيرة، فالاستمساك بالحق، والاستعلاء على الباطل، والمسير إلى الأمام إلى أن يلقى الإنسان ربه؛ هو السبيل إلى أن تحقق لنفسك عند الله مكانة ومكاناً في جنة الله تبارك وتعالى.
اللهم! اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم! اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.