الوسطية في لغة العرب تأتي بمعنيين: الوسط بمعنى الأفضل والأحسن والأكمل، وهذا معناها في اللغة العربية، كما تقول العرب: قريش أوسط العرب نسباً أي: خير العرب نسباً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان وسطاً في قومه، أي: في نسبه يعني: أن نسبه خير نسب في قومه، فتأتي الوسطية بمعنى: الأفضل، وبمعنى: الأكمل، وتأتي بمعنى: الأحسن، والله تبارك وتعالى قال:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:١٤٣] أي: جعلناكم خير الناس وأفضلهم وأكملهم، والعلماء يقولون: خير ما يفسر القرآن هو القرآن، فيفسر هذا قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران:١١٠]، فالوسطية هي الخيرية المذكورة في الآية الأخرى في آل عمران.
وإلى هذا المعنى جنح المفسر ابن كثير رحمه الله، وشيخ المفسرين الطبري فإنه يقول في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة:١٤٣]: الوسطية عندي هو الجزء الذي بين شيئين، وهذا هو الذي جنح إليه الزمخشري أيضاً؛ لأن الأمة معتدلة في كل أمورها، فهي وسط بين اليهودية والنصرانية في عيسى، فاليهودية تجعل عيسى ابن زنا، والنصرانية تقول: هو ابن الله، ونحن نقول: هو عبد الله ورسوله.
وكذلك في كل أمورها، وقال بعض المفسرين: إنه لا تنافي بين الأمرين، وهذا هو الصحيح، فهذه الأمة وسط من الجزء الذي هو بين الشيئين، ووسط الشيء هو أفضل ما يكون، كما جاء في الحديث:(الفردوس وسط الجنة، وأعلى الجنة) فجمع بين قضيتين، والقلم له وسط، وهو مركز الاعتدال، فعندما تمسكه من وسطه لا يميل إلى أي جهة، فليس هناك تطرف في أحد جوانبه، ولا غلو ولا تقصير، وهذه هي الوسطية، فالوسطية بمعنى الأفضل والأكمل، ثم هي من الوسط الذي بين شيئين، فبينهما تلازم، وليس بينهما تعارض.