ثم قال تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى}[طه:١٤ - ١٦]، فأمره الله بإقام الصلاة، وأمره بأن يتذكر دائماً وقوفه بين يدي الله تبارك وتعالى، فالساعة آتية قادمة.
إن لكل امرئ نهاية، وإن للبشرية جميعاً نهاية، ولهذا الكون كله نهاية، أفراد البشر سيتساقطون ويأتي غيرهم، أقوام يذهبون، وأقوام يأتون، والمقابر في كل يوم تستقبل وفوداً رجالاً ونساء، وفي كل يوم يأتي إلى الكون أحياء جدد، ومواليد جدد، أقوام يذهبون وأقوام يأتون، ولكن سيأتي يوم يفني الله فيه الجميع، فلا تسمع في هذا الكون حساً، ولا تسمع في هذا الكون صوتاً، البشر يومئذٍ كلهم خامدون.
وكذلك غير البشر من الجن والحيوانات والحشرات، الكل سيفنى فلا تسمع صوتاً، حتى الأرض والسماوات ستفنيان، الكل فان، وموعد الساعة خفي، ولكنه آت لا شك فيه {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:١٥].
كل نفس يعطيها الله تبارك وتعالى فترة من الزمان، اختباراً وابتلاء يمتحنها في هذه الحياة الدنيا، ثم يكون عنده الجزاء، يجعل أقواماً ملوكاً لينظر كيف يحكمون، وأقواماً يجعلهم أغنياء لينظر كيف يتصرفون، ويبتلي بالصحة والمرض، ويبتلي بالعلم، ويبتلي الناس بأبنائهم وبأزواجهم، ويبلو بعضنا ببعض لينظر كيف نعمل، ثم يكون نتيجة ذلك كله حصاداً يوم القيامة، فتجني ما زرعته، كل كلمة تتكلمها، وكل خطوة تمشيها، وكل عمل تعمله، وكل تصرف تتصرفه؛ كل ذلك محسوب ومسجل عليك:{لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:١٥].