إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فقد انتصر المسلمون في معركة بدر انتصاراً رائعاً، سماه الله تبارك وتعالى فرقاناً فرق به بين الحق والباطل، أعز أمة الإسلام، وأذل دولة الشرك، وقتل من المشركين سبعون، وأسر سبعون، والذين بقوا على قيد الحياة بقيت في قلوبهم حسرة وألم، حتى إن كتب السيرة تذكر أن أحد رجالات قريش -وهو صفوان بن أمية في ذلك الوقت- التقى بـ عمير بن وهب الجمحي في الحجر يتذاكران في أمر الحرب التي أخذت خيارهم، وقتلت رجالهم، فقال عمير - وكان كما يقول المؤرخون: من شياطين العرب، وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً-: والله لولا دين علي، وأولاد أخشى ضياعهم لجئت إلى محمد حتى أقتله، فقال له صفوان وكان غنياً: إن دينك علي، وإن أولادك يضمون إلى أولادي، فأخذ عمير سيفاً شحذه وسمه، ثم انطلق إلى المدينة، وكان ابنه في جملة الأسرى الذين أسروا في معركة بدر، فلما ورد المدينة ورآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: والله ما قدم هذا إلا لشر، ثم قال للصحابة: عليكم به لا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ بحمائل سيفه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رآه: يا عمير! ما جاء بك؟ قال: جئت في هذا الرجل الذي عندكم، يعني: ابنه، قال: ما جئت إلا لهذا؟ قال: ما جئت إلا لهذا، قال: ألم تكن أنت وصفوان في الحجر فقلت: كذا وكذا، وقال لك: كذا وكذا، فشحذت سيفك وجئتني؟ قال: والله يا رسول الله ما كان معنا من أحد، لم يكن هناك من شخص آخر يسمع كلامنا.
ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
آمن ودخل الإيمان في قلبه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:(أحسنوا إلى أخيكم، وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره) وعاد عمير إلى مكة يحمل الإسلام والإيمان في قلبه، وفي مكة أعلن إسلامه وإيمانه.
هناك لحظات ينكشف في القلب ما كان غائباً عنه، فكثير من أولي الألباب يشبهون هذا القلب الذي نحمله في صدورنا بالمصباح، فعندما يلامس المصباح التيار الكهربائي فإنه يضيء، وكذلك هذه القلوب لا تدري متى تضيء، ولا تدري متى تظلم، ولكن هناك لحظات ومواقف تضيء فيها قلوبنا، يكون الإنسان كافراً فيهتدي للإسلام، ويكون مؤمناً ولكن إيمانه يكون خافتاً ضعيفاً قلقاً مضطرباً، فتأتي لحظة من اللحظات فإذا بالقلب مطمئن، وإذا بالسكينة تحل في الإنسان، وإذا به شيء آخر كله إيمان وإسلام، وتقى وخير وصلاح، هي لحظات تتنوع ولكنها تلتقي في النهاية لتصلح النقص في القلب.
فهذا عمير جاء ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم يوقفه موقفاً لا يملك إلا أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، من أين للرسول هذا؟ من الذي أخبره؟ من الذي أعلمه؟ ليس هناك إلا شيء واحد هو أن الله تبارك وتعالى أخبره بالتفصيل، وبنفس الكلام الذي جرى بينهما، فلم يملك نفسه إلا أن آمن وصدق.