وتتلاحق الأجيال والبشر ويصيبهم نفس المرض، وإذا شاء الله سبحانه وتعالى بقوم هلاكاً، إذا بالمترفين يتأمرون في الأمم، فيصيب الأمة الهلاك والدمار، قال تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[الإسراء:١٦] فتلك سنة الله سبحانه وتعالى التي خلت من قبل في الأمم، والتي ينص عليها في كتابه أنه إذا شاء هلاك أمة جعل الأغنياء -وهم الحكام والملوك- يتصرفون بأهوائهم لا بشرع ربهم، وعند ذلك يحق عليهم الهلاك والدمار.
إن الله سبحانه وتعالى غالب على أمره وغالب على حكمه، والعباد ليس لهم نصيب، إنما هم مخلوقات صغيرة تظن أنها تملك من نفسها شيئاً، وفي واقع الأمر لا تملك من نفسها شيئاً، فالله سبحانه وتعالى مالك الملك، ومصرف الأمور فيقلب الليل والنهار، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، وله جنود السماوات والأرض فإذا شاء أمراً قال له كن فيكون كما يريد الله سبحانه وتعالى.
إن الدنيا تمضي بالناس وتجري والكل في النهاية مصيره إلى الله سبحانه وتعالى، فنفوسنا ليست لنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأموالنا ملك لربنا وإننا في حاجة إليها، وأبصارنا وأسماعنا وألسنتنا نحن محاسبون عنها يوم القيامة، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:٣٦].
فليست الأمور كما يظن الناس، ومنذ سنوات قريبة وقع في منطقة الخليج عرس أنفقت فيه عشرات بل ومئات الملايين! والله ليحاسبن الله الإنسان عن كل درهم قدمه، وفي الكويت في هذه الأيام وقع عرس أنفق عليه مليون دينار! وهناك العشرات ومئات الألوف بل والملايين من المسلمين يموتون جوعاً، وفي ديارنا الكلاب والقطط تربى وتطعم أفخر الطعام وفي أمتنا من لا يجدون الطعام، ونرى صور الأفغان وهم يحاربون بالبنادق القديمة التي صنعت منذ عشرين سنة أو من ثلاثين سنة، فلم يجدوا مالاً ليشتروا به سلاحاً حديثاً وفي أمتنا من ينفق الملايين على التافه من الأمور.
إن الله سائل العباد عن هذه الأموال من أين أتوا بها، وفيما أنفقوها؟ وهل قاموا بحق هذا المال؟ قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء:٢٦ - ٢٧]، وهذا الخطاب ابتداء يوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يوجه إلى هذه الأمة تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقول الله لهذه الأمة:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:٣١]، والله! إن السرف يقتل هذه الأمة في طرف من أطرافها أو في جانب من جوانبها، والفقر يقتل طرفاً آخر، فمن الأغنياء من يقتلهم غناهم، وتبذيرهم وإسرافهم، فالمال ينفق بدون حساب عند بعض الناس من الذين يتسمون باسم الإسلام، فينفقون الأموال في غير حقها وبغير وجهها، وبعض الناس في بعض ديار المسلمين لا يجدون طعاماً، هذا ظلم سيحاسب الناس عنه، قال تعالى:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}[المدثر:٤٢] في يوم القيامة يقول المؤمنون لأصحاب النار: ما الذي أدخلكم جهنم؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}[المدثر:٤٣] هذه الجريمة الأولى، {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}[المدثر:٤٤] وهذه الجريمة الثانية، {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}[المدثر:٤٥] وهذه الثالثة، {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المدثر:٤٦] والجريمة الرابعة {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}[المدثر:٤٧]، فأنكر الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ألا تطعم المسكين، وألا يحض بعضها بعضاً على إطعام المسكين، وعندما يصل الأمر إلى هذه الدرجة فهو دليل على فساد كبير في النفوس.