للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المسلم ثابت على المنهج وإن ابتعد الناس عن الطريق]

إذاً: فهناك أمور تصرفنا عن مهمتنا الكبرى، وهي: تحقيق العبودية لله في أنفسنا، وأن نحقق هذا الدين في حياتنا، وأن يصبح واقعاً نعيشه، فهناك ما يصرفنا عن المهمة الكبرى، والذين يحاولون أن يصرفونا عن المهمة الكبرى لا يريدون لنا الخير، وإن كانوا جهلاء، ولكن نحن ينبغي لنا أن نستعصم، وأن نستمسك ونحمل الناس على الحق، لا أن ننحرف عن الحق لنوافق الناس في أهوائهم، وفي الأثر: وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم، فليكن هذا الأثر على بالك دائماً، فإن هناك مواقف كثيرة جداً ستعرض لك، فستجد الناس يخالفونك والحق في خلافهم، فلا تحتج بالناس، ولا تقل: إن الناس يريدون هذا، والناس يعملون هذا، والموضة في الناس هكذا، إياك أن تفعل ذلك! بل وطن نفسك إن أحسن الناس أن تحسن، وإن أساء الناس ألا تسيء معهم، فإساءة الناس ليست حجة لك عندما تلقى الله تبارك وتعالى؛ ولذلك تكون حجة الخاطئين الذين يستحقون النار عندما يقف العباد بين يدي الله: {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا} [الزخرف:٢٢]، أي: هكذا وجدنا آباءنا وأجدادنا، هكذا وجدنا الناس من حولنا، فقد كانوا يسيرون هذا المسار، {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:٢٢] أي: على طريقة ومنهج {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:٢٢]، أي: سائرون، فنحن نقتدي ونتأسى بهم، فهم بذلك ألغوا عقولهم التي أعطاهم الله إياها، وأغلقوا منافذ العلم في نفوسهم، وعميت بصائرهم عن معرفة الحق الذي أنزله الله تبارك وتعالى، فعاشوا كما عاش الآباء والأجداد، وكما تعيش قطعان الماشية يسيرها الراعي حيثما يشاء.

فإذا كنت مؤمناً فلابد أن تستخدم عقلك، فأنت خيرة الله في الكون، ففي الإنسان خصائص تميزه عن الحمار والبقرة والجماد والنبات، فهو شيء متميز في الكون، يعرف ويعلم ويرضى ويكره ويرفض، فأنت كيان خاص في هذا الكون، ولذلك أسجد الله الملائكة لأبينا آدم عليه الصلاة والسلام.

فلا تخطئ لأن الناس مخطئون، ولا تزل لأن الناس قد زلوا، ولا تبتعد عن المنهج لأن الناس قد ابتعدوا، ففعل الناس ليس هو الصواب دائماً، وإنما الحق في موافقة الحق، وفي موافقة الله تبارك وتعالى.

ولذلك عندما كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عائشة يطلب وصيتها، أوصته بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) فيجب أن تطلب رضوان الله تبارك وتعالى وإن سخط الناس عليك، فإن الله يوشك أن يرضيهم عنك ما دمت ترضي ربك تبارك وتعالى.

وخلاصة القول: أن منهج المسلم عبودية دائمة إلى أن يلقى الله تبارك وتعالى، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩].

فاثبت على المبدأ، وإن ابتعد الناس عن المنهج والسبيل، وإن أخطأ الناس وزلوا، وإن حاول الأصدقاء والأعداء أن يبعدوك عن المنهج، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.