[لزوم فهم الإسلام وحقوق المسلمين]
فكما قلت في بداية كلمتي: المسلمون أمة واحدة، وجماعة واحدة، وجسد واحد، وبنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً، لا ينبغي للمسلم أن يخذل أخاه المسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، ولا يزال في المسلمين والعاملين في الإسلام من لا يفهم هذه الحقيقة: أن للمسلم على المسلم حقوق، وأنه لا يجوز للمسلم أن يغتاب أخاه، أو أن ينم أخاه، أو أن يؤذي أخاه في عرضه، قال صلوات الله وسلامه عليه: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن.
قالوا: من يا رسول الله؟! قال: من لا يأمن جاره بوائقه)، وقال صلوات الله وسلامه عليه: (لا يجد عبد حلاوة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ويحب المرء لا يحبه إلا لله).
أن تحب أخاك في الله، وأن تحب لأخيك الخير، ومن محبة الخير له ألا تغتابه، وألا تطعن في عرضه ولكن تنصحه، فإذا ما رأيته على أمر سيئ فبالتي هي أحسن، وهذا أدب الإسلام وخلقه، فنحن لا نقر بالباطل في أنفسنا، ولا نقره في إخواننا ولا مجتمعاتنا، ولكننا ننصح: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم)، نسي المسلمون هذه الأخلاق، وأصبح كثير من المسلمين لا يتأدبون بأدب الإسلام.
التعاون على البر والتقوى بين المسلمين خلق من أخلاق الإسلام: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢]، فمن خلق المسلمين: أن يعين أخاه على الخير إذا ما احتاج إلى معونة جسدية إلى معونة فكرية إلى معونة مادية وهو يستطيع أن يعين، فعلى المسلم ألا يقصر في هذا السبيل، عليه أن يمد أخاه ويحسن إليه، فذلك من خلق الإسلام.
نرى بعض المسلمين والعاملين في الإسلام لا يحسنوا هذه الأخلاق، ويظن أنه لا ينتصر الإسلام إلا إذا أعمل لسانه في الآخرين، ومنع رفده وإحسانه عن الآخرين، وهذا خطر كبير، ومما يفسد العمل الإسلامي ويشوهه أن بعض المسلمين يتعالمون وهم لا يعلمون.
فينبغي للمسلمين أن يطلبوا العلم الشرعي، فبدون علم لا تكون مسيرة، والجهل لا يربي النفوس، ولا يصلح الأفراد ولا الجماعات، والعلم الشرعي له سبيله وطريقه، وينبغي على المسلمين أن يحسنوا طلب العلم، وأن يحرصوا على ذلك لا أن يعيشوا جهلاء، بعض الذين لم يتقنوا العلم الشرعي والذين يستعجلون يفسدون بجهلهم في فتاويهم ودعاواهم وفي مسيرتهم، هؤلاء الناس -كثير في ديار الإسلام- يستعجلون الأمور قبل أوانها، كان طلبة العلم لا يتصدرون للفتوى والتعليم والتدريس إلا بعد أن يبلغوا مبلغاً حسناً، وبعد أن يشهد لهم من عند الذين يعلمون من العلماء حتى لا يفسد هؤلاء بجهلهم، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].
أدعو إلى الإخلاص لله وحده لا إلى غيره تبارك وتعالى، وهذا أساس في العمل، {عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: على نور وعلم، وأعظم النور وأكبر العلم هو هذا الكتاب، كتاب الله تبارك وتعالى، ثم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ما سار عليه العلماء، فهذه هي البصيرة الحقيقية، قال تعالى: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
والجهل بدين الله يسبب مشكلات، ما البدع والخرافات التي انتشرت بين المسلمين إلا بسبب الجهل، عندما تصدر أقوام للدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى وهم لا يعلمون، ولا يحسنون أن يقودوا الأمة الإسلامية، فنشأت الخرافات، ونشأت البدع، والتصوفات والعقائد الفاسدة بسبب الجهل، وشفاء هذا المرض بالعلم، والجهل يسبب فرقة بين الناس، لكن العلم يجمع الناس على الحق، وعندما يلتقي المسلمون مرة أخرى على هذا الكتاب وعلى هذا الدين فسيكون للمسلمين بإذن الله شأن، ولكن ينبغي أن يعلم المسلمون أنهم قبل أن يتسلموا الراية من جديد -ويأذن الله تبارك وتعالى بعودة الحق إلى نصابه- أنهم سيبتلون ويختبرون.
فالله سبحانه وتعالى لم يسلم الريادة للصحابة إلا بعد أن اختبرهم وابتلاهم، فإذا ما صبر المسلمون على ما ابتلوا به -وقد بدأ ابتلاء المسلمين من وقت ليس بالقصير، فقد سجنوا وعذبوا وأوذوا في كثيرٍ من ديار الإسلام -واستمر ثباتهم، فإن الله تبارك وتعالى ينصرهم ويؤيدهم قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب:٣٨]، فهو سبحانه لا يعطي هذا الحق، ويعطي مرتبة الصدارة إلا لمن ثبت في المحنة والبلاء، وعلم أنه أهل لأن يتسلم المهمة التي يريد الله تبارك وتعالى أن يسلمه إياها.
في الختام أسأل الله تبارك وتعالى لي ولكم الاجتماع على هذا الحق، وأن يبعث لهذا الدين رجالاً يعيدون له شبابه، وينجزون عنه ما ناله من أوليائه وما ناله من أعدائه، وأن يهيئ للمسلمين رجلاً حكماً رشيداً يعز به الإسلام، ويذل به الشرك.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم خير الجزاء، وأن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه.