[العودة إلى تحكيم شريعة الله تعالى وترك القوانين الوضعية]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله ورسوله، أما بعد: إلى جانب ما حدث في الأمة الإسلامية في الماضي حدثت أحداث كبيرة أيضاً في وقتنا الحاضر، فتركت هذه الأمة في قيادتها شريعة الله سبحانه وتعالى، وهذا أيضاً نوع من الشرك الكبير يضاف إلى أنواع الشرك الماضية التي حدثت في الأمة، تركت تحكيم كتاب الله سبحانه وتعالى، وتركت التحاكم إلى شريعة الله عز وجل، وتحاكمت إلى القوانين الوضعية التي صنعها البشر، وتركوا القانون الذي أنزله الله سبحانه وتعالى هداية للناس، أنزله العليم الخبير خالق السماوات والأرض، وتحاكموا إلى موازين وضعها الخبراء من البريطانيين والفرنسيين والسويسريين والأمريكيين والروس وغيرهم، وحكموا هذه القوانين في رقاب العباد، والحكم إنما هو لله سبحانه وتعالى، أمر ألا نعبد إلا إياه.
فتحكيم شريعة الله عبادة، والمتحاكم إلى غير شرع الله متحاكم إلى الطاغوت كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه، فمن الباطل والزور العظيم الذي وقع في أيامنا هذه أن تترك شريعة الرحمن الرحيم، وشريعة العليم الحكيم، وأن تترك الهداية والنور الذي جاء من عند الله في كتابه، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويُتحاكم إلى قوانين البشر الذين يدعون العلم والمعرفة بين يدي الله سبحانه وتعالى.
فهذا الشيطان الرجيم وقف أمام رب العزة متعالماً وقال: كيف أسجد لآدم وقد {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، فأنا أفضل منه؛ لأن النار أفضل من الطين، فغضب الله عليه ولعنه وأخرجه من رحمته؛ لأنه وقف يناقش رب العزة سبحانه وتعالى، ويتعاظم ويتعالم بين يدي الله سبحانه وتعالى، ويقول: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف:١٢]، إذاً: فهو يرد حكم الله وأمره وإرادته.
والله يقول للبشر: هذا حكمي، وهذه مشيئتي، وهذا تشريعي، وهذا ديني يحكّم في رقابكم، ويحكم في جمعكم، ويحكم في مشكلاتكم، فتحاكموا إلي، وإن اختلفتم فردوا الأمر المختلف فيه إلى كتابي، وردوا الأمر إلى رسولي، فيقول القائل من هؤلاء: لا، حكمك هذا لا يصلح للقرن العشرين، ولا يصلح للمجتمع الإنساني المتحضر الراقي.
إذاً: فما الذي يصلح لهذه العقول الكبيرة في فرنسا وبريطانيا وسويسرا وألمانيا، أهي القوانين التي توضع من قبل البشر؟! وماذا يكون جزاء أمة تخاطب ربها بهذا الخطاب؟! إن جزاءها أن يمسخها الله سبحانه وتعالى، وأن يسلط عليها أعداءها، وأن يوقع فيها الزلازل والفتن.
وقد قرأت اليوم في جريدة الوطن أن أناساً في شمال غرب الجزائر كانوا يسوون أرضاً ليكون عليها ملعب لكرة القدم، وفي أثناء الحفريات ظهرت بقايا جثث قدرها تسعمائة وستة وثلاثون هيكلاً عظمياً، وهذه من آثار المذابح التي أقامتها فرنسا قبل خمس وعشرين سنة، ولم ينته حصر الجثث، ولكنهم توقفوا عن البحث فما زال هناك بقايا هياكل كثيرة لرجال وأطفال ونساء، وآثار التعذيب ظاهرة على هذه الهياكل، فبعضها مقطوع قطعتين، وبعضها مشقوق نصفين، والفناء لا يزال في هذه الأمة.
ومع ذلك فنحن نصافح فرنسا ونستقبلها في ديارنا، ونصفها بالصديق العزيز، واليهود لم يقع عليهم مثل ما وقع على دولة واحدة من دول المسلمين، فالجزائر قدمت مليون شخص قتيل على أيدي الفرنسيين.
إن ألمانيا النازية لم تفعل في اليهود كما فعلت فرنسا بالجزائر وحدها، ومع هذا لا تزال ألمانيا تدفع إتاوات لليهود في إسرائيل إلى اليوم، فتُستذل ألمانيا إلى الآن على الجرائم التي يزعمون أنها فعلتها بهم، ونحن نقبّل أعتاب بريطانيا وفرنسا، فماذا فعلت بريطانيا بنا في مصر وفي الأردن وفي فلسطين، ومن الذي سلَّم فلسطين لليهود؟ وماذا فعلت فرنسا بنا في شمال إفريقيا؟ وماذا فعلوا في سوريا من مآس؟ ومع ذلك لا نزال نحترمها، ثم نأتي بهم خبراء في ديارنا، ونحكمهم في رقابنا، ويضعون لنا قوانينهم لنتحاكم إليها ونترك شريعة ربنا، وهذا من البلاء الذي أصبنا به في هذه الأيام ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فلعل المسلمين أن يفيقوا وينتبهوا ويعرفوا أن شريعة الله خير لهم لو كانوا يعلمون، دين الله خير لهم لو كانوا يعلمون، فماذا يقول المسلمون حكامهم والمحكمون عندما يقدمون على رب العزة في يوم القيامة فيقول لهم: أهجرتم كتابي وتركتم شريعتي؟ أألغيتم ديني وجئتم بزبالات أفكار البشر فحكمتموها في رقابكم؟! ماذا سيقول الله لهم يوم القيامة وماذا سيقولون لربهم؟ أفيقوا أيها المسلمون! فهذا من الكفر البواح، فقد حكم الله سبحانه وتعالى بأنه ليس من الإيمان ولا من الإسلام أن يتحاكم المسلمون إلى شرائع وقوانين الأرض ويتركوا شريعة الرحمن جبار السماوات والأرض الحكم العدل سبحانه وتعالى.
فينبغي أن نظهر الحقيقة الواضحة كالشمس ليس بها خفاء، أفيتركها الناس ليستضيئوا بشمعات لا تكشف لهم ظلمات الليل، ثم تكون وبالاً وبلاء عليهم في أنفسهم وفي أهلهم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع الدعوات.