[خطر الجفاف الروحي]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، أما بعد: فقد انتشر الإسلام في فجاج الأرض بدعاته العاملين به، وإنما يتقبل الله عمل العاملين بما وقر في قلوبهم من إيمان وتصديق، وبما بذلوا من جهود في سبيل الله.
فقد تصيب بعض العاملين للإسلام ودعاته أمراض يتوقف بها ثوابهم وعطاؤهم في بعض الأحيان.
وسأحاول في حديثي هذا أن ألقي ضوءاً على أحد هذه الأمراض التي قد تصيب دعاة الإسلام والعاملين للإسلام، وحديثي إنما هو تذكير لنفسي، وتذكير لإخواني، فالدين النصيحة.
فأقول: إن هناك ما يسميه بعض الناس بالجفاف الروحي، أو الهزال الذي يصيب روح الإنسان فيصبح آلة صماء تتحرك وتسعى ولكن من غير قلب.
وهذا مرض خطير، إذا أصاب الإنسان فقد العمل قيمته، وأصبح العمل الذي يبذله إما عديم الفائدة أو قليل الفائدة.
وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان مخلوقاً من قبضة من طين، فشكله ونفخ فيه من روحه، فالإنسان يتكون من هذين العنصرين، فلقبضة الطين -وهي الجسد- مقتضياتها، وللروح التي تسري في كياننا متطلباتها ومقتضياتها، والناس منذ القديم بين إفراط وتفريط.
ففريق من الناس يفرطون في إعطاء الجسد متطلباته والعناية به عناية كبيرة تجعلهم يهملون الروح، وفريق غالى في الجانب الآخر.
فجاء دين الله سبحانه وتعالى الذي هو الإسلام الذي أنزل للناس منذ أن أُرسل نوح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ليجعل الإنسان ينتظم في منهج واحد، فليس هناك انشقاق أو انقسام في حياة الإنسان، وإنما هو طريق وسبيل واحد، فانتظمت مطالب الجسد والروح في هذا المنهج، فالذي أوجده هو خالق الإنسان، فمنزل القرآن ومنزل الإسلام هو خالق الإنسان.
وقلوب الناس إنما تحيا بهذا الإسلام وتستنير استنارة هذه المصابيح الكهربائية التي نشاهدها عندما تتصل بمصدرها، وكذلك هذه القلوب عندما تتصل بخالقها وبالنور الذي أنزله الله سبحانه وتعالى فعند ذلك يشرق قلب الإنسان وتشرق نفسه وتضيء.
قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:٣٥] أي: مثل نوره في قلب عبده المؤمن كمشكاة فيها مصباح.
والقلوب فيها مصابيح، فإذا ما استمدت من كتاب الله ومن سنة رسول الله استضاءت استضاءة حقيقية لا شكلية، وأصبحت حياة الإنسان لها معنى، ولها قيمة ولها طعم، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجد الإنسان في قلبه حلاوة للإيمان يتذوقها، فهل نريد أن نصل إلى هذه الدرجة، وأن نستشعر الإيمان في قلوبنا، وأن يكون إيماننا إيماناً حقيقياً نحسه في ذوات أنفسنا، ونجد نداوته وحلاوته في قلوبنا؟ فإذا بقي العمل للإسلام عملاً ظاهرياً لا يغزو أعماقنا ولا يستقر في قلوبنا فسيكون حظنا من الإسلام قليلاً وضئيلاً.