[أحكام المسافر]
السؤال
ما هي أقصى مدة للقصر والجمع في السفر، وإذا كان الشخص يعلم أنه سوف يمكث خمسة أيام فقط فهل يقصر؟ وقد سمعت أن أحد المشايخ أفتى بأن للطالب إذا ابتعث أن يقصر ويجمع طيلة مدة البعثة ولم يفصل، رغم معرفة الطالب المبتعث بالمدة التي سيقضيها، والمشكلة أن هناك من يمتنع عن الحضور إلى صلاة الجمعة، وقد سمعت أن المسافر إذا صلى الجمعة في مسجد وهو في طريق سفره فإنه لا يجوز له أن يجمع مع العصر، فما هو السبب في ذلك؟ وهل من دليل على ذلك؟
الجواب
إن من الأمور التي يسرها الإسلام لنا: أننا إذا كنا في سفر فيجوز لنا أن نجمع بين صلاة الظهر وصلاة العصر، كما يجوز لنا أن نجمع بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، وأيضاً من هدي الإسلام أن نقصر الصلاة الرباعية في السفر، فتصلى ركعتين.
إذاً: ما هي المسافة التي يقصر فيها؟ وما عدد الأيام التي يقصر فيها؟
و
الجواب
أن العلماء قد اختلفوا في هذا اختلافاً كبيراً، فبعضهم يجعل المسافة حوالي عشرة كيلو، وبعضهم يحددها بثمانين كيلو، وبعضهم بخمسة وثمانين كيلو.
والأيام التي يقصر فيها قد يحددونها بثلاثة وبخمسة وبسبعة، والمسألة فيها خلاف.
ومن المعلوم أن المسافر له وضع معروف، والمقيم له وضع معروف، والنص القرآني لم يحدد أياماً ولا مسافة، فالذي يقصر هو المسافر لقوله تعالى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:١٨٤].
وهنا قد يأتي سؤال، وهو: هل يستطيع أحدٌ أن يعرف المسافر من غير المسافر؟ وهل يستطيع أحد أن يقول: إن جلست ثلاثة أيام فأنت مسافر، وإن مكثت خمسة أيام فأنت لست بمسافر؟ أو يقول: أنت جئت من المدينة على بعد خمسين كيلو فأنت مسافر، وإن كانت المسافة أربعين فلست بمسافر، فهل هذا طريق لتعرف المسافر ممن ليس بالمسافر؟ إن المسافر له وضعية مخصوصة، فأحياناً قد يجلس الإنسان خمسة أيام أو ستة أيام أو سبعة أيام وله حكم المسافر، وأحياناً قد يجلس يوماً وليس له حكم المسافر، وأحياناً قد يجلس عشرة أيام وليس له حكم المسافر، وكذلك المقيم له وضعية مخصوصة يعرف بها.
وعلى كل فالمسافر له مواصفات، فإن كان مسافراً، يعني: أنه غير مستقر في بلد، ولا مقيم فيها، ولا استأجر بيتاً، وإنما جاء يقضي عملاً له قد يستغرق خمسة أيام أو سبعة أيام، وقد يجلس عشرين يوماً أو خمسة وعشرين يوماً وهو في أعمال متواصلة وما استقر ولا اطمأن به الحال.
وأما بالنسبة لهذه الفتوى التي أفتي بها أخ جاء إلى أمريكا، بأن له القصر والجمع طيلة مدة البعثة، رغم معرفة الطالب المبتعث بالمدة التي سيقضيها، فأقول: هل يعقل أن إنساناً اشترى بيتاً أو استأجر بيتاً ومكث سنوات عديدة يدرس، ثم يصلي الصلاة قصراً وجمعاً بحجة أنه مسافر! إن هذا الكلام لو عرضناه على كل العقلاء في الدنيا صغاراً كانوا أو كباراً، رجالاً أو نساء لردوه، ثم نأتي إلى علماء اللغة وعلماء العربية وعلماء الشريعة فلا نجد أحداً يقول بأنه مسافر، بل لو سألنا إنساناً غير مسلم لأجاب بأنه غير مسافر.
فالإنسان الذي جاء وأقام في بلد ما، وأصبح له وضع فيها، وليس عنده نية أن يغادرها لا في شهرين ولا ثلاثة ولا خمسة ولا عشرة ولا سنة ولا سنتين ولا أربع سنين ولا خمس سنين لا نقول عنه إن هذا مسافر!! فالسفر معروف والإقامة معروفة، فالمسافر له طبيعة، وله حالة يمر بها، ولا يحدد طبيعته باليوم والاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسبعة، وإنما يحدد بحالته هو، فلو أن واحداً سافر وجلس أسبوعين، ولم يكن عنده نية إقامة، وحالته وظروفه التي تحيط به تدل على أنه ليس بمقيم، وهناك إنسان نوى الإقامة، وطالت إقامته، فإنه لا شك سيتخذ العدة للإقامة ويهيئ نفسه للإقامة.
والخلاصة: أن القضية لا تحدد بأيام، وإنما تحدد بحالة: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:١٨٤].
وأما بالنسبة للمسافة، فإن هناك مسافة معروفة عند كل العقلاء أنها ليست سفراً، وهناك مسافة معروفة عند كل الناس أنها سفر، فلو أن إنساناً خرج من حي إلى حي مسافة خمسة كيلو أو سبعة كيلو أو ثمانية كيلو فإن هذا لا يعد سفراً عند العقلاء، وخاصة في عصر السيارات والمواصلات السريعة.
وإنسان آخر يقطع مسافة ثمانين كيلو أو تسعين كيلو أو مائة كيلو، فإن هذا يعد سفراً عند الناس.
ثم تبقى هناك مسافات تختلف فيها أنظار الناس، كمسافة ثلاثين كيلو أو أربعين كيلو، فهل تعد سفراً أو ليست بسفر؟ أنا أرى الآن في عصر السيارات والمواصلات السريعة أن العشرين كيلو والخمسة وعشرين كيلو والثلاثين كيلو والخمسة والثلاثين كيلو والأربعين كيلو لا تعد سفراً، لأن الإنسان يقطعها في دقائق وإذا هو في مكان على بعد أربعين كيلو، ثم في دقائق يرجع إلى بيته.
لكن عندما تطول المسافة فتصل إلى حدود الستين والخمسة والستين والسبعين فممكن عند ذلك أن نعتبرها سفراً، لأن هناك نقاطاً وسطى لا بد أن تختلف فيها الأنظار، ونقاطاً تتفق فيها الأنظار.
وأما بالنسبة لأقصى مدة للقصر، فهل هي فقط ثلاثة أيام أم لا؟ أظن المسألة واضحة في أنه لا يحدد بالأيام، فلا نستطيع أن نقول: إن أقصى مدة للقصر والجمع كذا وكذا.
نعم عبد الله بن عمر جلس ستة أشهر يقصر الصلاة، لأنه كان في كل يوم يتوقع الرحيل، لكن بسبب الثلوج التي أدت إلى قطع الطريق تأخر عن السفر، فهو كان غير مستقر وهو على سفر، فلا نستطيع أن نحدد ذلك بأيام.
وأما بالنسبة للمسافر إذا صلى الجمعة في مسجد وهو في طريق سفره، فله أن يجمع معها العصر، ومن قال إنه لا يجوز له أن يجمع معها العصر فقد قال قولاً غير صحيح.