للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من المعتقدات البشرية الباطلة]

لقد بقيت البشرية على التوحيد بعد أن هبط آدم إلى الأرض وتكاثرت ذريته، وكان الناس أمة واحدة، ولكن البشر ضلوا في إلههم ومعبودهم فعبدوا من دونه أولياء، فاتخذوا وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وكانوا يدعونهم ويستغيثون بهم، فأرسل الله لهم أول رسله وهو نوح، فأنذرهم ودعاهم إلى عبادة الله وحده، وترك ما يعبد من دونه، فآمن له قليل، واستكبر منهم الكثير فأهلكهم الله تعالى.

وكثير من الأمم عبر تاريخ البشرية عبدوا الأصنام، ولهم في ذلك فلسفات وضلالات، فبعضهم كان يزعم أن هذه الآلهة تتلبس بها الأرواح، وبعضهم ليس له حجة إلا أن الآباء كانوا يمجدونها ويقدسونها.

والصابئة الذين كانوا يسكنون في أول أمرهم في وسط العراق، ثم سكنوا شماله يدعون أن الله خلق الأفلاك والكواكب، ووكل إليها تدبير أمر العالم من الخير والشر والصحة والمرض؛ ولذا فإنه يجب على البشر تعظيمها وعبادتها، ومنهم من كان يزعم أن الكواكب التي في الفلك هي ملائكة، وبنوا لهذه الكواكب بيوتاً لعبادتها، وجعلوا فيها الهياكل، وقد جادلهم إبراهيم عليه السلام فيما يعبدونه من أصنام، كما ناقشهم في عبادة الشمس والقمر والنجوم، قال الله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء:٥١ - ٥٦].

وفي موضع آخر يقول تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:٦٩ - ٨٢].

وفي بلاد الهند عبد الناس الأشجار والأحجار والثعابين والفئران، وقال فلاسفتهم بوحدة الوجود، وعندهم الديانة البرهمية التي تزعم أن طبقة البراهمة خلقوا من رأس الإله برهمان، وطبقة الجن خلقوا من منكبيه وذراعيه، والزراع والتجار والعمال من فخذيه، والأرقاء من قدميه، ومنعوا ارتفاع الإنسان إلى طبقة فوق طبقته، وقال فلاسفتهم أيضاً بالتناسخ، أي: أن فروح الإنسان بعد الموت قد تحل في ابنه أو أخته أو أخيه أو إنسان آخر أو في خنزير أو كلب، ولهم في ذلك فلسفات يضيق الوقت عن ذكرها.

وأله الناس البشر وعبدوهم من دون الله، وزعموا أن الآلهة تحل في بعض البشر، أو أن بعض الملوك من نفس الآلهة، فملوك المصريين القدامى كانوا ينصبون أنفسهم آلهة، وتقدم لهم الهدايا والقرابين ويعبدون في المعابد، وقد قال فرعون لأهل مصر: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، وقال لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨].

وهناك ديانات كثيرة، ومن أقدمها عبادة زرادشت في القرن السابع قبل الميلاد، وقد ادعوا أنه إله، وعقدوا حوله الأساطير.

ثم جاء مان بعد ميلاده بأكثر من مائتي عام، وقال بقدم النور والظلمة فهما إلهان، وادعى مان أن الجسد سجن للروح، ولا بد من تخليص الروح من سجنها بإبادة الجنس البشري، وهذه فلسفته! فما كان من الملك وقد سمع بدعواه إلا أن أمر الجلاد بقطع رأسه ليخلص روحه من سجنها.

وجاء مزدك في فارس بالشيوعية، فلا ملكية ولا زواج، بل تباح النساء والأموال من غير ضابط، ونادى بإلغاء القوانين بحجة أنها تحول بين الإنسان وما يشتهي، وقال بألوهية النور والظلام، وكانت النيران لا تخبو من معابد الفرس، وكانوا يسجدون لها.