وقف التشريع عند هذا الحد ووقف العلماء لا يستظهرون غير المتون، ولا يعرفون غير الحواشي وما فيها من إيرادات واعتراضات وألغاز، وما كتب عليها من تقريرات، حتى وثبت أو رويا على الشرق تصفعه بيدها، وتركله رجلها.
فكان أن تيقظ على هذه الضربات، وتلفت ذات اليمين وذات الشمال.
إذا هو متخلف عن ركب الحياة الزاحف، وقاعد بينما القافلة تسير.
وإذا هو مام عالم جديد، كله الحياة والقوة والانتاج، فراعه ما رأى، وبهره ما شاهد، فصاح الذين تنكروا لتاريخهم وعقوا آباءهم، ونسوا دينهم وتقاليدهم: أن ها هي ذي أوروبا يا معشر الشرقيين، فاسلكوا سبيلها، وقلدوها في خيرها وشرها، وإيمانها وكفرها، وحلوها ومرها، ووقف الجامدون موقفا سلبيا، يكثرون من الحوقلة والترجيع، وانطووا على أنفسهم، ولزموا بيوتهم، فكان هذا برهانا آخر على أن شريعة الاسلام لدى المغرورين لا تجاري التطور، ولا تتمشى مع الزمن.
ثم كانت النتيجة الحتمية، أن كان التشريع الاجنبي الدخيل هو الذي يهيمن على الحياة الشرقية، مع منافاته لدينها وعاداتها وتقاليدها وأن كانت الاوضاع الاوروبية هي التي تغزو البيوت والشوارع والمنتديات والمدارس والمعاهد، وأخذت موجتها تقوى وتتغلب على كل ناحية م ن النواحي حتى كاد الشرق ينسى دينه وتقاليده ويقطع الصلة بين حاضره وماضيه، إلا أن الارض لا تخلو من قائم لله بحجة، فهب دعاة الاصلاح يهيبون بهؤلاء المخدوعين بالغربيين، أن: خذدوا حذركم، وكفوا عن دعايتكم، فإن ما عليه الغربيون من فساد الاخلاق لابد وأن ينتهي بهم إلى العاقبة السوآى، وأنهم ما لم يصلحوا فطرهم بالايمان الصحيح ويعدلوا طباعهم بالمثل العليا من الاخلاق، فسوف تنقلب علومهم أداة تخريب وتدمير، وتتحول مدنيتهم إلى نار تلتهمهم وتقضي عليهم القضاء الاخير (ألم تر كيف فعل ربك بعاد؟ إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الاوتاد.
الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد. فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد) (١) .