للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهادة حسبة، وبين التستر على الجاني، فإذا سكت عن الحادث حتى قدم عليه العهد دل بذلك على اختيار جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك فهو دليل على أن الضغينة هي التي حملته على الشهادة.

ومثل هذا لاتقبل شهادته، للتهمة والضغينة، كما قال عمر، ولم ينقل أن أحدا أنكر عليه هذا القول، فيكون إجماعا.

وهذا ما لم يكن هناك عذر يمنع الشاهد من تأخير الشهادة، فإن كان هناك عذر ظاهر في تأخير الشهادة، كبعد المسافة عن محل التقاضي، وكمرض الشاهد أو نحو ذلك من الموانع، فإن الشهادة تقبل حينئذ ولا تبطل بالتقادم.

والاحناف الذين قالوا بهذا الشرط لم يقدروا له أمدا، بل فوضوا الامر للقاضي يقدره تبعا لظروف كل حالة لتعذر التوقيت، نظرا لاختلاف الاعذار.

وبعض الاحناف قدر التقادم بشهر، وبعضهم قدره بستة أشهر.

أما جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والظاهرية، والشيعة الزيدية فإن التقادم عندهم لايمنع من قبول الشهادة مهما كانت متأخرة.

وللحنابلة رأيان: رأي مثل أبي حنيفة، ورأي مثل الجمهور.

هل للقاضي أن يحكم بعلمه؟: يرى الظاهرية أنه فرض على القاضي أن يقضي بعلمه في الدماء، والقصاص والاموال، والفروج، والحدود، سواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم بعلمه، لانه يقين الحق، ثم بالاقرار، ثم بالبينة، لان الله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " (١) .

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

" من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ".

فصح أن القاضي عليه أن يقوم بالقسط، وليس من القسط أن يترك الظالم


(١) سورة النساء الآية: ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>