للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دليل على يقظة الضمير والعزم على استئناف حياة نظيفة بعيدة عن الافساد والمحاربة لله ولرسوله، ولهذا شملهم عفو الله وأسقط عنهم كل حق من حقوقه إن كانوا قد ارتكبوا ما يستوجب العقوبة، أما حقوق العباد فإنها لا تسقط عنهم، وتكون العقوبة حينئذ ليست من قبيل الحرابة، وإنما تكون من باب القصاص.

والامر في ذلك يرجع إلى المجني عليهم لا إلى الحاكم، فإن كانوا قد قتلوا سقط عنهم تحتم القتل، ولولي الدم العفو أو القصاص، وإن كانوا قد قتلوا وأخذوا المال، سقط الصلب وتحتم القتل وبقي القصاص وضمان المال.

وإن كانوا قد أخذوا المال سقط القطع وأخذت الاموال منهم إن كانت بأيديهم، وضمنوا قيمة ما استهلكوا، لان ذلك غصب.

فلا يجوز ملكه لهم، ويصرف إلى أربابه أو يجعله الحاكم عنده حتى يعلم صاحبه لان توبتهم لا تصح إلا إذا أعادوا الاموال المسلوبة إلى أربابها.

فإذا أرى أولو الامر إسقاط حق مالي عن المفسدين من أجل المصلحة العامة، وجب أن يضمنوه من بيت المال.

ولقد لخص ابن رشد في بداية المجتهد أقوال العلماء في هذه المسألة فقال: " وأما ما تسقطه عنه التوبة فاختلفوا في ذلك على أربعة أقوال:

١ - أحدها أن التوبة إنما تسقط حد الحرابة فقط، ويؤخذ، بما سوى ذلك من حقوق الله وحقوق الآدميين " وهو قول مالك.

٢ - والقول الثاني أنها تسقط عنه حد الحرابة وجميع حقوق الله من الزنا، والشراب، والقطع في السرقة، ولا تسقط حقوق الناس من الاموال، والدماء إلا أن يعفو أولياء المقتول (١) .

٣ - والقول الثالث: أن التوبة ترفع جميع حقوق الله، ويؤخذ في الدماء وفي الاموال بما وجد بعينه.

٤ - والقول الرابع: أن التوبة تسقط جميع حقوق الآدميين من مال، ودم، إلا ما كان من الاموال قائما بعينه.

شروط التوبة: للتوبة ظاهر وباطن، ونظر الفقه إلى الظاهر دون الباطن الذي لا يعلمه


(١) هذا هو أعدل الاقوال الذي اخترناه ونبهنا عليه من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>