ترجيح رأي الجمهور على رأي الشافعي: قال في الروضة الندية: " وأما صرف الزكاة كلها في صنف واحد، فهذا المقام خليق بتحقيق الكلام.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى جعل الصدقة مختصة بالاصناف الثمانية، غير سائغة لغيرهم.
واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية، ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم.
بل المعنى أن جنس الصدقات، لجنس هذه الاصناف.
فمن وجب عليه شئ من جنس الصدقة، ووضعه في جنس الاصناف، فقد فعل ما أمره الله به، وسقط عنه ما أوجبه الله عليه، ولو قيل: إنه يجب على المالك - إذا حصل له شئ تجب فيه الزكاة - تقسيطه على جميع الاصناف الثمانية، على فرض وجودهم جميعا، لكان ذلك - مع ما فيه من
الحرج والمشقة - مخالفا لما فعله المسلمون، سلفهم، وخلفهم.
وقد يكون الحاصل شيئا حقيرا، لو قسط على جميع الاصناف لما انتفع كل صنف بما حصل له ولو كان نوعا واحدا، فضلا عن أن يكون عددا.
إذا تقرر لك هذا، لاح لك عدم صلاحية ما وقع منه، صلى الله عليه وسلم من الدفع إلى سلمة بن صخر (١) من الصدقات للاستدلال بها.
ولم يرد ما يقتضي إيجاب توزيع كل صدقة على جميع الاصناف.
وكذلك لا يصلح للاحتجاج حديث أمره صلى عليه وسلم لمعاذ: أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن ويردها في فقرائهم، لان تلك أيضا صدقة جماعة من المسلمين وقد صرفت في جنس الاصناف.
وكذلك حديث زياد بن الحارث الصدائي.
وذكر الحديث المتقدم، ثم قال: لان في إسناده عبد الرحمن بن زياد الافريقي، وقد تكلم فيه غير واحد، وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج، فالمراد بتجزئة مصارفها، كما هو ظاهر الاية التي قصدها صلى الله عليه وسلم: ولو كان
(١) كان عليه كفارة لم يجدها. فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذها من صاحب صدقة بني زريق ويؤدي كفارته منها.