والحقيقة كذلك أن نظام تعدد الزوجات لا يزال إلى الوقت الحاضر منتشرا في عدة شعوب لا تدين بالاسلام كأفريقيا، والهند، والصين، واليابان.
فليس بصحيح إذن ما يزعمونه من أن هذا النظام مقصور على الامم التي تدين بالاسلام.
والحقيقة كذلك أنه لا علاقة للدين المسيحي في أصله بتحريم التعدد.
وذلك أنه لم يرد في الانجيل نص صريح يدل على هذا التحريم.
وإذا كان السابقون الاولون إلى المسيحية من أهل أوربا قد ساروا على نظام وحدة الزوجة فما ذاك إلا لان معظم الامم الاوربية الوثنية التي انتشرت فيها المسيحية في أول الامر - وهي شعوب اليونان، والرومان - كانت تقاليدها تحرم تعدد الزوجات المعقود عليهن، وقد سار أهلها، بعد اعتناقهم المسيحية، على ما وجدوا عليه آباءهم من قبل.
إذن فلم يكن نظام وحدة الزوجة لديهم نظاما طارئا جاء به الدين الجديد الذي دخلوا فيه، وإنما كان نظاما قديما جرى عليه العمل في وثنيتهم الاولى، وكل ما هنالك أن النظم الكنسية المستحدثة بعد ذلك قد استقرت على تحريم تعدد الزوجات واعتبرت هذا التحريم من تعاليم الدين، على الرغم من أن أسفار الانجيل نفسها لم يرد فيها شئ يدل على هذا التحريم.
والحقيقة كذلك، أن نظام تعدد الزوجات لم يبد في صورة واضحة إلا في الشعوب المتقدمة في الحضارة، على حين أنه قليل الانتشار أو منعدم في الشعوب البدائية المتأخرة كما قرر ذلك علماء الاجتماع ومؤرخو الحضارات، وعلى رأسهم " وستر مارك، وهو بهوس، وهيلير، وجنربرج ".
فقد لو حظ أن نظام وحدة الزوجية كان النظام السائد في أكثر الشعوب تأخرا وبدائية، وهي الشعوب التي تعيش على الصيد، أو جمع الثمار التي تجود بها الطبيعة عفوا، وفي الشعوب التي تتزحزح تزحزحا كبيرا عن بدائيتها، وهي الشعوب الحديثة العهد بالزراعة.
على حين أن نظام تعدد الزوجات لم يبد في صورة واضحة إلا في الشعوب التي قطعت مرحلة كبيرة في الحضارة، وهي الشعوب التي تجاوزت مرحلة الصيد البدائي إلى مرحلة استئناس الانعام وتربيتها ورعيها واستغلالها، والشعوب
التي تجاوزت جمع الثمار والزراعة البدائية إلى مرحلة الزراعة.