[الِاعْتِرَاضُ السَّادِسُ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ]
وَلِكَوْنِ النَّظَرِ فِي عِلَّةِ الْأَصْلِ مُتَفَرِّعًا عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ؛ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ عَنِ النَّظَرِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَعَنِ التَّقْسِيمِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي السُّؤَالِ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَمِثَالُهُ: مَا لَوْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ جِلْدِ الْكَلْبِ مَثَلًا: حَيَوَانٌ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا فَلَا يُطَهَّرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ كَالْخِنْزِيرِ، فَيَقُولُ الْخَصْمُ: لَا أُسَلِّمُ وُجُوبَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ سَبْعًا.
وَجَوَابُهُ بِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ مِنَ الْعَقْلِ أَوِ الْحِسِّ أَوِ الشَّرْعِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْوَصْفِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ، أَوْ أَنْ يُفَسِّرَ لَفْظَهُ بِمَا لَا يُمَكِّنُ الْخَصْمَ مَنْعَهُ، وَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ اللَّفْظِ لَهُ بَعِيدًا، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ: أَعْنِي بِهِ مَا إِذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ الطَّهَارَةُ.
وَإِنْ فَسَّرَ لَفْظَهُ بِمَا لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَصْلِ، غَيْرَ أَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لُغَةً.
فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ ذَهَبَ إِلَى قَبُولِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ وَضْعَ اللَّفْظِ إِنَّمَا كَانَ لِقَصْدِ تَحْصِيلِ الْمَعْنَى مِنْهُ وَأَنْ يَعْرِفَ كُلُّ أَحَدٍ مَا فِي ضَمِيرِهِ لِغَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِضَبْطِ الْوَضْعِ ضَبْطًا يَمْتَنِعُ مَعَهُ دُخُولُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَإِذَا قُبِلَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ تَفْسِيرُ لَفْظِهِ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ لُغَةً حَالَةَ عَجْزِهِ عَنْ تَقْرِيرِ كَلَامِهِ، أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى اضْطِرَابِ اللُّغَةِ وَإِبْطَالِ فَائِدَةِ وَضْعِهَا، كَيْفَ وَإِنَّ إِطْلَاقَهُ لِذَلِكَ اللَّفْظِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى إِرَادَةِ مَدْلُولِهِ، وَعُدُولُهُ عِنْدَ الْمَنْعِ مُشْعِرٌ بِالِانْقِطَاعِ فِي تَقْرِيرِهِ؟ !
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute