الْمَنْصُوصِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ.
وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْرِفُ خِلَافًا بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فِي اشْتِرَاطِهِ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْفَرْعِ مُتَقَدِّمًا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَاسَ الشَّافِعِيُّ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي الِافْتِقَارِ إِلَى النِّيَّةِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ ثَابِتًا قَبْلَ كَوْنِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فِي قِيَاسِهِ عِلَّةً، ضَرُورَةَ كَوْنِهَا مُسْتَنْبَطَةً مِنْ حُكْمٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِلْخَصْمِ لَا بِطَرِيقِ مَأْخَذِ الْقِيَاسِ.
وَقَدْ شَرَطَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ ثَابِتًا بِالنَّصِّ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا، وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَاسُوا قَوْلَهُ: (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ) عَلَى الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ وَالظِّهَارِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ نَصٌّ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَسَالِكِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فِي الْقِيَاسِ]
[المسلك الأول الْإِجْمَاعُ]
الْبَابُ الثَّانِي
فِي مَسَالِكِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ فِي الْقِيَاسِ
الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ: الْإِجْمَاعُ
وَهُوَ أَنْ يُذْكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ الْجَامِعِ عِلَّةً لِحُكْمِ الْأَصْلِ، إِمَّا قَطْعًا أَوْ ظَنًّا، فَإِنَّهُ كَافٍ فِي الْمَقْصُودِ.
وَذَلِكَ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى كَوْنِ الصِّغَرِ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فِي قِيَاسِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ عَلَى وِلَايَةِ الْمَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا قَطْعًا فَكَيْفَ يُسَوَّغُ الْخِلَافُ مَعَهَا فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ؟
قُلْنَا بِأَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا ظَنِّيًّا فِي الْأَصْلِ أَوِ الْفَرْعِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ وُجُودُهَا فِيهِمَا مَعَ كَوْنِهَا مَقْطُوعًا بِعِلِّيَّتِهِمَا فَلَا.