للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُمْ: إِنَّ وَضْعَ الْأَمَارَتَيْنِ يَكُونُ عَبَثًا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ رِعَايَةِ الْحِكْمَةِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهِ (١) ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِلْزَامُ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعِلْمِ بِهَا دُونَ الْمَخْلُوقِينَ.

كَيْفَ وَقَدْ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْحِكْمَةُ فِيهِ إِيقَافَ عَنِ الْجَزْمِ بِالنَّفْيِ أَوِ الْإِثْبَاتِ.

وَعَنِ الثَّانِيَةِ: أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا، وَلَكِنْ مَا الْمَانِعُ مِنْ تَعَادُلِ الْأَمَارَاتِ. (٢) قَوْلُهُمْ: يَلْزَمُ مِنْهُ التَّحَيُّرُ وَالتَّضْلِيلُ، إِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ مُكَلَّفًا بِإِصَابَةِ مَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِمَا أَوْجَبَهُ ظَنُّهُ عَلَى مَا سَبَقَ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ ضَرُورَةَ التَّعَادُلِ كَانَ الْوَاجِبُ التَّخْيِيرَ، أَوِ التَّوَقُّفَ، أَوِ التَّسَاقُطَ. (٣)

[الْمَسْأَلَةُ السابعة مَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ إِلَى الْمُجْتَهِدِ وَمَا لَا يَصِحُّ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ

فِيمَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ إِلَى الْمُجْتَهِدِ وَمَا لَا يَصِحُّ.

وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ أَوِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَعًا فِي مَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَتَحْرِيمِ الزِّنَا فِي اعْتِقَادِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي لَا تَقَابُلَ بَيْنَهَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، كَالتَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ وَنَحْوِهِ، وَفِي اعْتِقَادِ وُجُوبِ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ عَلَى الْبَدَلِ كَالِاعْتِدَادِ بِالْأَطْهَارِ وَالْحَيْضِ، أَوْ فِعْلَيْنِ غَيْرِ مُتَضَادَّيْنِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ.

وَأَمَّا اعْتِقَادُ حُكْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبَيَّنَّا مَأْخَذَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي ذَلِكَ.


(١) تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
(٢) تَقَدَّمَ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ تَعَادُلِهِمَا بِاعْتِبَارِهِمَا بِالْوَاقِعِ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى دَلَالَتِهِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا وَإِنْ جَازَ تَعَادُلِهِمَا فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ.
(٣) لَا شَكَّ أَنَّ التَّعَادُلَ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا كَانَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ لِقُصُورِهِ، فَكَانَ مَعْذُورًا مَأْجُورًا، لَا فِي الْوَاقِعِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>