[الْمَسْأَلَةُ الثَّالثةِ الْخِطَابِ إِذَا قُيِّدَ الْحُكْمُ بِغَايَةٍ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
اخْتَلَفُوا فِي الْخِطَابِ إِذَا قُيِّدَ الْحُكْمُ بِغَايَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} ، وَقَوْلِهِ: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، وَقَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ (إِلَى) أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ تَقْيِيدُ الْحُكْمِ بِالْغَايَةِ الْمَحْدُودَةِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ لَمْ يَخْلُ: إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ أَوْ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَالًّا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ لَمَا كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْغَايَةِ مُفِيدًا، أَوْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، الْأَوَّلُ مُحَالٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِصَرِيحِهِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ بَعْدَ الْغَايَةِ، وَالثَّانِي إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ سِوَى مَا ذَكَرُوهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جَازَ أَنْ تَكُونَ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ تَعْرِيفَ بَقَاءِ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْخِطَابِ أَيْ مُتَعَرِّضٌ فِيهِ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ وَلَا نَفْيِهِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَلَى مُدَّعِيهِ بَيَانُهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ وُرُودِ الْخِطَابِ فِيمَا بَعْدَ الْغَايَةِ بِمِثْلِ الْحُكْمِ السَّابِقِ قَبْلَ الْغَايَةِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدُ الْحُكْمِ بِالْغَايَةِ نَافِيًا لِلْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَهَا، أَوْ لَا يَكُونَ، وَالْأَوَّلُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ مَعَ تَحَقُّقِ مَا يَنْفِيهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ كَلِمَةَ (حَتَّى) وَ (إِلَى) لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَهِيَ جَارِيَةٌ مَجْرَى قَوْلِهِ: " «صُومُوا صَوْمًا آخِرُهُ اللَّيْلُ» " وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمُنِعَ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ بَعْدَ مَجِيءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute