للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أَشَدَّ مُنَاسَبَةً لَهُ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ إِجْمَاعًا، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ لَا يَتِمُّ دُونَهُ، فَلَا يَكُونُ قِيَاسًا.

الثَّانِي: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ مُنْدَرِجًا فِي الْفَرْعِ وَجُزْءًا مِنْهُ إِجْمَاعًا.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ قَدْ يَكُونُ مَا تُخُيِّلَ أَصْلًا فِيهِ جُزْءٌ مِمَّا تُخُيِّلَ فَرْعًا، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: " لَا تُعْطِ لِفُلَانٍ حَبَّةً " فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ إِعْطَاءِ الدِّينَارِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَالْحَبَّةُ الْمَنْصُوصَةُ تَكُونُ دَاخِلَةً فِيهِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ مَا زَادَ عَلَى الذَّرَّةِ، وَالذَّرَّةُ تَكُونُ دَاخِلَةً فِيهِ، إِلَى نَظَائِرِهِ.

وَلِهَذَا، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ فِي الْقِيَاسِ مُطْلَقًا وَافَقَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الدَّلَالَةِ سِوَى أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَلَوْ كَانَ قِيَاسًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ.

أَمَّا الْقَطْعِيُّ: فَكَمَا ذَكَرْنَا مِنْ آيَةِ التَّأْفِيفِ حَيْثُ إِنَّا عَلِمْنَا مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ أَنَّ حِكْمَةَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ إِنَّمَا هُوَ دَفْعُ الْأَذَى عَنِ الْوَالِدَيْنِ، وَأَنَّ الْأَذَى فِي الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ أَشَدُّ.

وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فَإِنَّهُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، لِكَوْنِهِ أَوْلَى بِالْمُؤَاخَذَةِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ لِإِمْكَانِ أَنْ لَا تَكُونَ الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ مُوجَبَةً بِطَرِيقِ الْمُؤَاخَذَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» " وَالْمُرَادُ بِهِ رَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ، بَلْ نَظَرًا لِلْخَاطِئِ بِإِيجَابِ مَا يُكَفِّرُ ذَنْبَهُ فِي تَقْصِيرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَتْ كَفَّارَةً، وَجِنَايَةُ الْمُتَعَمِّدِ فَوْقَ جِنَايَةِ الْخَاطِئِ.

وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكَفَّارَةِ رَافِعَةً لِإِثْمِ أَدْنَى الْجِنَايَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ رَافِعَةً لِإِثْمِ أَعْلَاهُمَا.

[مفهوم المخالفة]

[تعريفه وبيان أصنافه]

وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَهُوَ مَا يَكُونُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ مُخَالِفًا لِمَدْلُولِهِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَيُسَمَّى دَلِيلَ الْخِطَابِ أَيْضًا، وَهُوَ عِنْدُ الْقَائِلِينَ بِهِ مُنْقَسِمٌ إِلَى عَشَرَةِ أَصْنَافٍ مُتَفَاوِتَةٍ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>