للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا حَمْلُ بُطْلَانِ النِّكَاحِ عَلَى مَصِيرِهِ إِلَى الْبُطْلَانِ فَبَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مَصِيرَ الْعَقْدِ إِلَى الْبُطْلَانِ مِنْ أَنْدَرِ مَا يَقَعُ: وَالتَّعْبِيرُ بِاسْمِ الشَّيْءِ عَمَّا يَئُولُ إِلَيْهِ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَآلُ إِلَيْهِ قَطْعًا: كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أَوْ غَالِبًا كَمَا فِي تَسْمِيَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} الثَّانِي: قَوْلُهُ: " «فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» " وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ وَاقِعًا صَحِيحًا لَكَانَ الْمَهْرُ لَهَا بِالْعَقْدِ لَا بِالِاسْتِحْلَالِ.

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ تأويل بعيد لقوله عليه السلام لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

وَمِنَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» " إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَوْمُ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ مِنْ حَيْثُ (١) إِنَّ الصَّوْمَ نَكِرَةٌ وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ النَّفْيِ فَكَانَ ظَاهِرُهُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ صَوْمٍ.

وَالْمُتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ لَفْظِ الصَّوْمِ إِنَّمَا هُوَ الصَّوْمُ الْأَصْلِيُّ الْمُتَخَاطَبُ بِهِ فِي اللُّغَاتِ وَهُوَ الْفَرْضُ وَالتَّطَوُّعُ (٢) دُونَ مَا وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ، وَوُقُوعُهُ نَادِرٌ: وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالنَّذْرُ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ إِطْلَاقَ مَا هُوَ قَوِيٌّ فِي الْعُمُومِ وَإِرَادَةَ مَا هُوَ الْعَارِضُ الْبَعِيدُ النَّادِرُ، وَإِخْرَاجَ الْأَصْلِ الْغَالِبِ مِنْهُ إِلْغَازٌ فِي الْقَوْلِ.

وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: " مَنْ دَخَلَ دَارِي مِنْ أَقَارِبِي أَكْرِمْهُ " وَقَالَ: " إِنَّمَا أَرَدْتُ قَرَابَةَ السَّبَبِ دُونَ النَّسَبِ أَوْ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْعَصَبَاتِ الْقَرِيبَةِ " كَانَ قَوْلُهُ مُنْكَرًا مُسْتَبْعَدًا، لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَنْتَهِضُ فِي الْبُعْدِ إِلَى بُعْدِ التَّأْوِيلِ فِي حَمْلِ الْخَبَرِ السَّابِقِ عَلَى الْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ.


(١) مِنْ حَيْثُ إِلَخْ تَعْلِيلٌ لِبُعْدِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَأْوِيلِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْحَدِيثِ.
(٢) لَكِنْ دَلَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ صِيَامِ التَّطَوُّعِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>