للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي شَرَائِطِ حُكْمِ الْأَصْلِ]

ِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ.

الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ إِنَّمَا هُوَ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْفَرْعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ شَرْعِيًّا بِأَنْ كَانَ قَضِيَّةً لُغَوِيَّةً أَوْ عَقْلِيَّةً، فَالْحُكْمُ الْمُتَعَدِّي إِلَى الْفَرْعِ لَا يَكُونُ شَرْعِيًّا فَلَا يَكُونُ الْغَرَضُ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ حَاصِلًا، كَيْفَ وَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَضِيَّةً لُغَوِيَّةً فَقَدْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِيهِ فِي اللُّغَاتِ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: يَكُونُ ثَابِتًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ، حَتَّى يُمْكِنَ بِنَاءُ الْفَرْعِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ نَاظِرٌ وَلَا مُنَاظِرٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَعَدَّى الْحُكْمُ مِنَ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى الْوَصْفِ الْجَامِعِ، وَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّارِعِ لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى وَصْفِهِ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ ثُبُوتِهِ شَرْعِيًّا ; لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ دَلِيلُهُ شَرْعِيًّا لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَلَّا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مُتَفَرِّعًا عَنْ أَصْلٍ آخَرَ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالْكَرْخِيُّ خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ (١) وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْعِهِ، أَوْ هِيَ غَيْرُهَا.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ: فَالْأَصْلُ الَّذِي بِهِ الشَّهَادَةُ بِالِاعْتِبَارِ إِنَّمَا هُوَ الْأَصْلُ الْأَخِيرُ لَا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ، فَلْيَقَعِ الرَّدُّ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ تَطْوِيلٌ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ ; وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ


(١) ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فِي قَوْلِهِ: خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ - جَوَازُ بِنَاءِ الْقِيَاسِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ قَوْلَانِ فِي ذَلِكَ: الْمَنْعُ، وَالْجَوَازُ؛ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْخَطَّابِ، انْظُرْ: رَوْضَةَ النَّاظِرِ لِابْنِ قُدَامَةَ، وَالْكَوْكَبَ الْمُنِيرَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الْفُتُوحِيِّ، وَاللُّمَعَ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، وَانْظُرْ خِلَافَ الْحَنَابِلَةِ فِي حُكْمِ بِنَاءِ الْقِيَاسِ عَلَى الْقِيَاسِ فِي ص ٣٩٤ وَ ٣٩٥ مِنْ مُسَوَّدَةِ آلِ تَيْمِيَّةَ طَبْعَةَ الْمَدَنِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>