للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ الْمُخَاطَبِ هَلْ يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ لُغَةً أَوْ لَا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ (١)

اخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِ هَلْ يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ لُغَةً أَوْ لَا؟ وَالْمُخْتَارُ دُخُولُهُ، وَعَلَيْهِ اعْتِمَادُ الْأَكْثَرِينَ وَسَوَاءٌ كَانَ خِطَابُهُ الْعَامُّ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا.

أَمَّا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، فَإِنَّ اللَّفْظَ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي كَوْنَ كُلِّ شَيْءٍ مَعْلُومًا لِلَّهِ، تَعَالَى، وَذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ أَشْيَاءُ فَكَانَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ عُمُومِ الْخِطَابِ.

وَالْأَمْرُ فَكَمَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ فَأَكْرِمْهُ، فَإِنَّ خِطَابَهُ لُغَةً يَقْتَضِي إِكْرَامَ كُلِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى الْعَبْدِ.

فَإِذَا أَحْسَنَ السَّيِّدُ إِلَيْهِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْسِنِينَ إِلَى الْعَبْدِ، فَكَانَ إِكْرَامُهُ عَلَى الْعَبْدِ لَازِمًا بِمُقْتَضَى عُمُومِ خِطَابِ السَّيِّدِ.

وَكَذَلِكَ فِي النَّهْيِ كَمَا إِذَا قَالَ لَهُ: مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ فَلَا تُسِئْ إِلَيْهِ، وَهَذَا فِي الْوُضُوحِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى الْإِطْنَابِ فِيهِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ لِلنَّصِّ وَالْمَعْنَى، أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وَذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ أَشْيَاءُ وَهُوَ غَيْرُ خَالِقٍ لَهَا، وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ خَبَرِهِ لَكَانَ خَالِقًا لَهَا، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَتَصَدَّقْ عَلَيْهِ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ دَخَلَ السَّيِّدُ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِينَ إِلَى الدَّارِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ بِدِرْهَمٍ.

وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ أَمْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ حَسَنًا.

قُلْنَا: أَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهَا بِالنَّظَرِ إِلَى عُمُومِ اللَّفْظِ تَقْتَضِي كَوْنَ الرَّبِّ - تَعَالَى - خَالِقًا لِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُمْتَنِعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَقْلًا كَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَخُرُوجِهِ عَنْهُ بِالتَّخْصِيصِ (٢) .

، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمِثَالِ، فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ مُقْتَضٍ لِلتَّصَدُّقِ عَلَى السَّيِّدِ عِنْدَ دُخُولِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ وَالدَّلِيلِ الْمُخَصِّصِ امْتَنَعَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْعُمُومِ فِي حَقِّهِ، وَلَا مُنَافَاةَ كَمَا سَبَقَ.


(١) مَا اخْتَارَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ خَصْمِهِ فِي أَنَّ لِلْعُمُومِ صِيَغًا، وَيَنْقُضُ مَا اخْتَارَهُ مِنَ التَّوَقُّفِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ وَيَقْضِي عَلَى أَدِلَّتِهِ وَمُنَاقَشَاتِهِ هُنَاكَ.
(٢) وَأَيْضًا فَإِخْبَارُهُ - تَعَالَى - عَنْ نَفْسِهِ فِي الْآيَةِ بِأَنَّهُ خَالِقٌ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: " كُلِّ شَيْءٍ " وَإِلَّا كَانَ مَخْلُوقًا لِنَفْسِهِ وَذَلِكَ مُحَالٌ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَابِقًا عَلَى نَفْسِهِ، لِكَوْنِهِ خَالِقَهَا مُتَأَخِّرًا عَنْهَا لِكَوْنِهِ مَخْلُوقًا لَهَا، وَسَبْقُ الشَّيْءِ نَفْسَهُ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا فِي الْوُجُودِ مُحَالٌ، فَالْآيَةُ أَيْضًا دَالَّةٌ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمَفْعُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>