للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ الْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ هَلْ يُوجِبُ الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ

الْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ هَلْ يُوجِبُ الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمَنَعَ أَصْحَابُنَا مِنْ ذَلِكَ وَأَوْجَبَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَمِثَالُهُ اسْتِدْلَالُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» "، وَهُوَ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ كَافِرٍ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا.

فَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَامًّا لِلذِّمِّيِّ لَكَانَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» " ضَرُورَةَ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَصَفْتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَافِرَ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُعَاهِدُ إِنَّمَا هُوَ الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ دُونَ الذِّمِّيِّ.

احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْطُوفَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي إِفَادَةِ حُكْمِهِ، وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى حُكْمِ الْمَعْطُوفِ بِصَرِيحِهِ، وَإِنَّمَا أُضْمِرَ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْطُوفِ، ضَرُورَةَ الْإِفَادَةِ وَحَذَرًا مِنَ التَّعْطِيلِ.

وَالْإِضْمَارُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَهُوَ التَّشْرِيكُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ دُونَ تَفْصِيلِهِ مِنْ صِفَةِ الْعُمُومِ وَغَيْرِهِ، تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ، فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَالْبَائِنِ، وَقَوْلُهُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} خَاصٌّ.

وَوَرَدَ عَطْفُ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَنْدُوبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} ، فَإِنَّهُ لِلنَّدْبِ، وَقَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} لِلْإِيجَابِ، وَوَرَدَ عَطْفُ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُبَاحِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} ، فَإِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، وَقَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ} لِلْإِيجَابِ.

وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الِاشْتِرَاكُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ وَتَفْصِيلِهِ لَكَانَ الْعَطْفُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ مُتَيَقَّنٌ، وَفِي صِفَتِهِ مُحْتَمَلٌ، فَجَعْلُ الْعَطْفِ أَصْلًا فِي الْمُتَيَقَّنِ دُونَ الْمُحْتَمَلِ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>