مِنْ بَاقِي الصَّحَابَةِ دُونَهُ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْغَائِبَ فِي الْحَالِ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقَوْلِ وَالْحُكْمِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ.
وَعَنِ السَّادِسَةِ: أَنَّهَا بَاطِلَةٌ بِالْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ ; فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَالَفَ وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ إِجْمَاعَ بَاقِي الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ يَكُونُ مُنْعَقِدًا، كَيْفَ وَإِنَّ النَّظَرَ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الْبَعِيدَةِ مِمَّا لَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ.
وَإِلَّا لَمَا انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَدْ أَظْهَرَ الْمُوَافَقَةَ وَأَبْطَنَ الْمُخَالَفَةَ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، كَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُوَافَقَتِهِ لِعُمَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ وَإِظْهَارِ النَّكِيرِ بَعْدَهُ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ حكم انْعِقَادِ إِجْمَاعِ الْأَكْثَرِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ
اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ إِجْمَاعِ الْأَكْثَرِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْخَيَّاطُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ إِلَى انْعِقَادِهِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَدَدَ الْأَقَلِّ إِنْ بَلَغَ التَّوَاتُرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِالْإِجْمَاعِ دُونَهُ وَإِلَّا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ: إِنْ سَوَّغَتِ الْجَمَاعَةُ الِاجْتِهَادَ فِي مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ كَانَ خِلَافُهُ مُعْتَدًّا بِهِ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ، وَإِنْ أَنْكَرَتِ الْجَمَاعَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُتْعَةِ وَالْمَنْعِ مِنْ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ لَمْ يَكُنْ خِلَافُهُ مُعْتَدًّا بِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَ الْأَكْثَرِ يَكُونُ حُجَّةً وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ اتِّبَاعَ الْأَكْثَرِ أَوْلَى وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ، وَالْمُخْتَارُ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّمَسُّكَ فِي إِثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ إِنَّمَا هُوَ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي السُّنَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَلَفْظُ (الْأُمَّةِ) فِي الْأَخْبَارِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ كُلَّ الْمَوْجُودِينَ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيِّ عَصْرٍ كَانَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَكْثَرَ كَمَا يُقَالُ: بَنُو تَمِيمٍ يَحْمُونَ الْجَارَ وَيُكْرِمُونَ الضَّيْفَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْجَمِيعِ مِمَّا يُوجِبُ الْعَمَلَ بِالْإِجْمَاعِ