للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا فِي عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ، فَمَعْنَى صِحَّةِ الْعَقْدِ تَرَتُّبُ ثَمَرَتِهِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ. وَلَوْ قِيلَ لِلْعِبَادَةِ صَحِيحَةٌ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ فَسَّرَ صِحَّةَ الْعَقْدِ بِإِذْنِ الشَّارِعِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ إِذْنُ الشَّارِعِ بِالِانْتِفَاعِ بِتَقْدِيرِ الْفَسْخِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ صَحَّ فَالنِّزَاعُ فِي أَمْرٍ لَفْظِيٍّ، وَلَا بَأْسَ بِتَفْسِيرِ كَوْنِ الْعِبَادَةِ مُجْزِيَةً بِكَوْنِهَا مُسْقِطَةً لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَحَيْثُ لَمْ تَكُنْ مُتَّصِفَةً بِكَوْنِهَا مُجْزِيَةً عِنْدَ أَدَائِهَا مَعَ اخْتِلَالِ شَرْطِهَا وَسُقُوطِ الْقَضَاءِ بِالْمَوْتِ، إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطِ الْقَضَاءُ بِفِعْلِهَا بَلْ بِالْمَوْتِ.

[الصِّنْفُ الْخَامِسُ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ]

وَهُوَ نَقِيضُ الصِّحَّةِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ السَّابِقَةِ.

وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَمُرَادِفٌ لِلْبَاطِلِ عِنْدَنَا، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِسْمٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ لِلصَّحِيحِ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ مَمْنُوعًا بِوَصْفِهِ، كَبَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَنَحْوِهِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي الْمَنَاهِي.

[الصِّنْفُ السَّادِسُ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ] (١) أَمَّا الْعَزِيمَةُ، فَفِي اللُّغَةِ الرُّقْيَةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ الْمُؤَكَّدِ عَلَى أَمْرٍ مَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أَيْ قَصْدًا مُؤَكَّدًا.

وَمِنْهُ سُمِّيَ بَعْضُ الرُّسُلِ " أُولُو الْعَزْمِ " لِتَأَكُّدِ قَصْدِهِمْ فِي إِظْهَارِ الْحَقِّ.

وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ، فَعِبَارَةٌ عَمَّا لَزِمَ الْعِبَادَ بِإِلْزَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا.

وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فِي اللُّغَةِ - بِتَسْكِينِ الْخَاءِ - فَعِبَارَةٌ عَنِ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: رَخَصَ السِّعْرُ: إِذَا تَيَسَّرَ وَسَهُلَ، وَبِفَتْحِ الْخَاءِ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَخْذِ بِالرُّخَصِ.


(١) ذَكَرَ الشَّاطِبِيُّ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ يُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ، وَعَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى كُلِّ إِطْلَاقٍ مَعَ التَّوْضِيحِ بِالْأَمْثِلَةِ، وَذَكَرَ فُرُوعًا كَثِيرَةً تُبْنَى عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ تَفَاصِيلَ ذَلِكَ وَشَرْحَ مَا أَجْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى مَسَائِلِ النَّوْعِ الْخَامِسِ فِي الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ جـ ١ مِنَ الْمُوَافِقَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>