للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً فَهِيَ فِي مَعْنَى النَّصِّ، وَمَا مِثْلُ هَذَا الْقِيَاسِ فَلْيَكُنْ نُسِخَ حُكْمُهُ بِنَصٍّ أَوْ بِقِيَاسٍ فِي مَعْنَاهُ، وَلَوْ ذَهَبَ إِلَيْهِ ذَاهِبٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى نَاسِخِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِاتِّبَاعِ مَا أَوْجَبَهُ ظَنُّهُ، فَرَفْعُ حُكْمِهِ فِي حَقِّهِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى النَّاسِخِ لَا يَكُونُ نَسْخًا مُتَحَدِّدًا بَلْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَنْسُوخًا، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ مُسْتَنْبَطَةً بِنَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فَحُكْمُهَا فِي حَقِّهِ غَيْرُ ثَابِتٍ بِالْخِطَابِ، فَرَفْعُهُ فِي حَقِّهِ عِنْدَ الظَّفَرِ بِدَلِيلٍ يُعَارِضُهُ وَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ نَسْخًا عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ النَّسْخَ رَفْعُ حُكْمِ خِطَابٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا لِلنَّسْخِ فِي رَفْعِ الْحُكْمِ وَقَطْعِ اسْتِمْرَارِهِ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَوْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ.

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ النَّسْخِ بِالْقِيَاسِ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ

اخْتَلَفُوا فِي النَّسْخِ بِالْقِيَاسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

ثَالِثُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ (١) مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.

وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ فِي الْقِيَاسِ مَنْصُوصَةً فَهِيَ فِي مَعْنَى النَّصِّ، فَيَصِحُّ النَّسْخُ بِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَنْصُوصَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا بِأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِيهِ مُسْتَنْبَطَةً بِنَظَرِ الْمُجْتَهِدِ.

فَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي تَقْوِيمِ النَّصِيبِ عَلَى السَّيِّدِ الْمُعْتِقِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ إِثْبَاتِ حُكْمِ دَلِيلٍ آخَرَ كَانَ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى النَّسْخِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِخِطَابٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ خِطَابٍ آخَرَ.

وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ ظَنِّيًّا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا ; لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ حُكْمُهُ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا، الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مُحَالٌ إِنْ كَانَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ


(١) أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيُّ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>