للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ نَسْخَ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ هَلْ يَكُونُ نَسْخًا لِتِلْكَ الْعِبَادَةِ]

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ

اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ نَسْخَ سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِتِلْكَ الْعِبَادَةِ، كَنَسْخِ سَتْرِ الرَّأْسِ وَالْوُقُوفِ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ نَسْخَ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ هَلْ يَكُونُ نَسْخًا لِتِلْكَ الْعِبَادَةِ؟ فَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِلْعِبَادَةِ.

وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَنْسُوخُ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِ الْعِبَادَةِ كَالرَّكْعَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا، أَوْ شَرْطًا خَارِجًا عَنْ مَفْهُومِ الصَّلَاةِ كَالْوُضُوءِ.

وَمِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ نَسْخٌ لِلْعِبَادَةِ مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْغَزَالِيِّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالشَّرْطِ، وَأَوْجَبَ نَسْخَ الْعِبَادَةِ بِنَسْخِ جُزْئِهَا دُونَ شَرْطِهَا كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْعِبَادَةِ مُطْلَقًا، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَكُلُّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا وَاجِبَةٌ، فَنَسْخُ أَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ لَا يُوجِبُ نَسْخَ الْوَاجِبِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً، وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِيهَا، فَنَسْخُ اشْتِرَاطِ الطِّهَارَةِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِنَسْخِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، بَلِ الْوُجُوبُ بَاقٍ بِحَالِهِ فَلَا نَسْخَ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَسَخَ مِنْهَا وُجُوبَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَدْ نَسَخَ وُجُوبَ أَصْلِ الْعِبَادَةِ لَا أَنَّهُ نَسْخٌ لِلْبَعْضِ وَتَبْقِيَةٌ لِلْبَعْضِ، فَإِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ لَيْسَتْ بَعْضَ الْأَرْبَعِ بَلْ هِيَ عِبَادَةٌ أُخْرَى، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ بَعْضًا مِنْهَا لَكَانَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ آتِيًا بِالْوَاجِبِ وَزِيَادَةٍ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمَيْنِ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ وُجُوبَ الرَّكْعَتَيْنِ بَاقٍ بِحَالِهِ غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نَسْخِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا تُجْزِي، وَقَدِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ بِنَسْخِ الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ حَيْثُ صَارَتْ تُجْزِئُ، وَكَانَ يَجِبُ تَأْخِيرُ التَّشَهُّدِ إِلَى مَا بَعْدَ الْأَرْبَعِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ النَّسْخِ.

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا نُسِخَ - شَرْطَ الْعِبَادَةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ لَا تُجْزِئُ، وَقَدِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ بِنَسْخِ الشَّرْطِ.

وَالْجَوَابُ قَوْلُهُمْ: إِنَّ نَسْخَ الرَّكْعَتَيْنِ نَسْخٌ لِوُجُوبِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ - لَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ بَقَاءِ وُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>