الْمَجَازِيَّةِ.
وَلِهَذَا فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِلَفْظٍ مُشْتَرَكٍ وَأَرَادَ بِهِ بَعْضَ مَدْلُولَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ. كَمَا لَوْ قَالَ: (رَأَيْتُ عَيْنًا) وَأَرَادَ بِهِ الْعَيْنَ الْجَارِيَةَ دُونَ الْبَاصِرَةِ، وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ كَاذِبًا.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَخْبَرَ بِلَفْظٍ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي شَيْءٍ وَمَجَازٌ فِي شَيْءٍ، وَأَرَادَ جِهَةَ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ كَاذِبًا، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ: (رَأَيْتُ أَسَدًا) وَأَرَادَ بِهِ الْمَحْمَلَ الْمَجَازِيَّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ.
وَعَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْقِسَامِ الِاعْتِقَادِ إِلَى عِلْمٍ وَجَهْلٍ مُرَكَّبٍ، وَحَالَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ لَيْسَتْ عِلْمًا وَلَا جَهْلًا مُرَكَّبًا، انْقِسَامُ الْخَبَرِ إِلَى صِدْقٍ وَكَذِبٍ، وَمَا لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ، إِذْ هُوَ قِيَاسٌ تَمْثِيلِيٌّ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا، لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ أَيْضًا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاسِطَةٌ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَالنِّزَاعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ حَيْثُ إِنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ يُطْلِقُ اسْمَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى مَا لَا يُطْلِقُهُ الْآخَرُ إِلَّا بِشَرْطٍ زَائِدٍ.
[الْقِسْمَةُ الثَّانِيَةُ الْخَبَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ وَإِلَى مَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ وَإِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ]
الْقِسْمَةُ الثَّانِيَةُ:
أَنَّ الْخَبَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ، وَإِلَى مَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَإِلَى مَا لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ.
فَأَمَّا مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ فَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ، كَخَبَرِ التَّوَاتُرِ، وَمَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ لَا بِنَفْسِ الْخَبَرِ، بَلْ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ صَادِقًا، كَخَبَرِ اللَّهِ وَخَبَرِ الرَّسُولِ فِيمَا يُخْبَرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَخَبَرُ مَنْ وَافَقَ خَبَرُهُ خَبَرَ الصَّادِقِ أَوْ دَلِيلَ الْعَقْلِ وَأَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِمَّا ادُّعِيَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الصِّدْقِ، فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ.
وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ، فَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَوِ النَّظَرِ، أَوِ الْحِسِّ أَوْ أَخْبَارِ التَّوَاتُرِ، أَوِ النَّصِّ الْقَاطِعِ، أَوِ الْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ، أَوْ مَا صَرَّحَ الْجَمْعُ الَّذِينَ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِتَكْذِيبِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ " أَنَا كَاذِبٌ " فَخَبَرُهُ ذَلِكَ كَاذِبٌ؛ لِأَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ هَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَلَا مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَخْبَارِهِ، فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْأَخْبَارِ السَّالِفَةِ. وَقَدْ كَانَ صَادِقًا فِيهَا فَخَبَرُهُ عَنْهَا بِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute