[الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ نَسْخِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ]
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ
اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ، فَنَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ وَأَثْبَتَهُ الْأَقَلُّونَ.
وَالْمُخْتَارُ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَدَلِيلُهُ أَنَّ مَا وُجِدَ مِنَ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْقِرَاضِ زَمَنِ الْوَحْيِ لَوْ نُسِخَ حُكْمُهُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَصٍّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ آخَرَ أَوْ قِيَاسٍ، لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِنَصٍّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ النَّصَّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِقًا عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ لِاسْتِحَالَةِ حُدُوثِ نَصٍّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ النَّصُّ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِجْمَاعِ لَكَانَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ خَطَأً، وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ مِنَ الْأُمَّةِ.
وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِإِجْمَاعٍ آخَرَ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الثَّانِيَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ رَافِعٍ لِحُكْمِ الْإِجْمَاعِ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَى دَلِيلٍ كَانَ خَطَأً وَالْأُمَّةُ مَصُونَةٌ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ، فَذَلِكَ الدَّلِيلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا.
لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَصًّا ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِجْمَاعَيْنِ مُتَحَقِّقًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ - الْخَطَأُ فِي الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُحَالٌ.
وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِدَلِيلٍ مُتَجَدِّدٍ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ أَوْ سَابِقٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بِدَلِيلٍ مُتَجَدِّدٍ فَهُوَ إِمَّا إِجْمَاعٌ أَوْ قِيَاسٌ لِاسْتِحَالَةِ تَجَدُّدِ النَّصِّ، فَإِنْ كَانَ إِجْمَاعًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ قِيَاسًا عَلَى أَصْلٍ آخَرَ فَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَسَلْسَلَ أَوْ يَنْتَهِيَ إِلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ بِالنَّصِّ، وَالتَّسَلْسُلُ مُحَالٌ، وَالثَّانِي يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ سَابِقًا عَلَى الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَصِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ مَشْرُوطَةٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ عَلَى مُنَاقَضَتِهِ، وَنَسْخُ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ بِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَهُوَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ.
هَذَا كُلُّهُ إِنْ كَانَ دَلِيلُ أَصْلِ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ مُتَجَدِّدًا، وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ فَعُدُولُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ إِجْمَاعُهُمْ خَطَأً وَهُوَ مُحَالٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute