[الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثَ عَشَرَ النَّقْضُ]
وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ مَا ادُّعِيَ كَوْنُهُ عِلَّةً لَهُ، وَقَدْ أَوْمَأْنَا فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إِلَى وَجْهِ دَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى إِبْطَالِهَا وَوَجْهِ الِانْفِصَالِ عَنْهُ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا أَوْ مُسْتَنْبَطَةً، وَفِي صُورَةِ النَّقْضِ مَانِعٌ أَوْ فَوَاتُ شَرْطٍ بِالِاسْتِقْصَاءِ التَّامِّ الْمُفَصَّلِ.
وَالَّذِي يَخْتَصُّ بِمَا نَحْنُ فِيهِ هَاهُنَا وُجُوهٌ أُخَرُ فِي الْجَوَابِ (١) .
الْأَوَّلُ: مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ إِنْ أَمْكَنَ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ مَالٌ غَيْرٌ نَامٍ، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ.
فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا يَنْتَقِضُ بِالْحُلِيِّ الْمَحْظُورِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ نَامٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ.
فَقَالَ الْمُسْتَدِلُّ: لَا أُسَلِّمُ أَنَّ الْحُلِيَّ الْمَحْظُورَ غَيْرُ نَامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ دَافِعًا لِلنَّقْضِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ وُجُودُ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ، فَإِذَا لَمْ تُوجَدِ الْعِلَّةُ فِي صُورَةِ النَّقْضِ فَلَا نَقْضَ.
لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُعْتَرِضِ، هَلْ لَهُ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عِنْدَ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ لِوُجُودِهَا؟
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ إِذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ انْتِقَاضُهَا وَهَدْمُ كَلَامِ الْمُسْتَدِلِّ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنَ الِاعْتِرَاضَاتِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْقَاعِدَةِ بِانْقِلَابِ الْمُسْتَدِلِّ مُعْتَرِضًا وَالْمُعْتَرِضِ مُسْتَدِلًّا، وَالْوَاجِبُ إِنَّمَا هُوَ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلْمُعْتَرِضِ فِي هَدْمِ كَلَامِ الْمُسْتَدِلِّ، وَجَبَ قَبُولُهُ مِنْهُ تَحَقُّقًا لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقَدْحُ بِطَرِيقٍ آخَرَ هُوَ أَفْضَى إِلَى الْمَقْصُودِ فَلَا، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ قَدْ دَلَّلَ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ بِدَلِيلٍ هُوَ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَإِذَا مُنِعَ وُجُودُ الْعِلَّةِ،
(١) انْظُرْ وَجُوهَ دَفْعِ الْمُنَاقِضَةِ فِي ص ٢٤٦ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ أُصُولِ الْفِقْهِ لِلسَّرْخَسِيِّ، وَبَابَ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ لِأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute