للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْحَاكِمُ إِذَا نَسِيَ مَا حَكَمَ بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِحُكْمِهِ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ: يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَعِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ بَابَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ فِيهَا مِنَ الشُّرُوطِ وَالْقُيُودِ مَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرِّوَايَةِ، وَذَلِكَ كَاعْتِبَارِ الْعَدَدِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ، وَلَا يُقْبَلْ فِيهَا الْعَنْعَنَةُ، وَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَلَوْ قَالَ: أَعْلَمُ بَدَلَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ لَا يَصِحُّ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إِذَا رَوَى جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ حَدِيثًا وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِزِيَادَةٍ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

إِذَا رَوَى جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ حَدِيثًا، وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِزِيَادَةٍ فِي الْحَدِيثِ لَا تُخَالِفُ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ رَوَى جَمَاعَةٌ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْبَيْتَ، وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِزِيَادَةٍ، فَقَالَ: دَخَلَ الْبَيْتَ وَصَلَّى، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُ الرِّوَايَةِ مُخْتَلِفًا بِأَنْ يَكُونَ الْمُنْفَرِدُ بِالزِّيَادَةِ رِوَايَتُهُ عَنْ مَجْلِسٍ غَيْرِ مَجْلِسِ الْبَاقِينَ، أَوْ أَنَّ مَجْلِسَ الرِّوَايَةِ مُتَّحِدٌ، وَيُجْهَلُ الْأَمْرَانِ.

فَإِنْ كَانَ الْمَجْلِسُ مُخْتَلِفًا، فَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي قَبُولِ الزِّيَادَةِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ فَعَلَ الزِّيَادَةَ فِي أَحَدِ الْمَجْلِسَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَالرَّاوِي عَدْلٌ ثِقَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْدَحُ فِي رِوَايَتِهِ، فَكَانَتْ رِوَايَتُهُ مَقْبُولَةً.

وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ رَوَى حَدِيثًا لَمْ يَنْقِلْهُ غَيْرُهُ مَعَ عَدَمِ حُضُورِهِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى شَخْصٍ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لِزَيْدٍ فِي مَجْلِسٍ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى عَلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بِأَلْفٍ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الْأَلْفِ الزَّائِدَةِ، مَعَ أَنَّ بَابَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ كَمَا قَرَّرْنَا.

وَأَمَّا إِنِ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، فَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يَرْوُوا الزِّيَادَةَ قَدِ انْتَهَوْا إِلَى عَدَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ غَفْلَةُ مِثْلِهِمْ عَنْ سَمَاعِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَفَهْمِهَا، فَلَا يَخْفَى أَنَّ تَطَرُّقَ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ إِلَى الْوَاحِدِ فِيمَا نَقَلَهُ مِنَ الزِّيَادَةِ، يَكُونُ أَوْلَى مِنْ تَطَرُّقِ ذَلِكَ إِلَى الْعَدَدِ الْمَفْرُوضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>