[النَّوْعُ الرَّابِعُ الْمَفْهُومُ]
[النظر في معنى المفهوم]
وَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي مَعْنَاهُ وَأَصْنَافِهِ قَبْلَ الْحِجَاجِ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ، أَمَّا مَعْنَاهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مُقَابِلٌ لِلْمَنْطُوقِ، وَالْمَنْطُوقَ أَصْلٌ لِلْمَفْهُومِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ الْعَوْدُ إِلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الْمَفْهُومِ ثَانِيًا.
فَنَقُولُ أَمَّا الْمَنْطُوقُ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: " هُوَ مَا فُهِمَ مِنَ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ "، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُضْمَرَةَ فِي دَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ مَفْهُومَةٌ مِنَ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَلَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَنْطُوقُ اللَّفْظِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: " الْمَنْطُوقُ مَا فُهِمَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ قَطْعًا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ "
وَذَلِكَ كَمَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» " وَكَتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ لِلْوَالِدَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} إِلَى نَظَائِرِهِ.
وَأَمَّا الْمَفْهُومُ " فَهُوَ مَا فُهِمَ مِنَ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْقِ "، وَالْمَنْطُوقُ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومًا مِنَ اللَّفْظِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ نُطْقًا خُصَّ بِاسْمِ الْمَنْطُوقِ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ مُعَرَّفًا بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الْمُشْتَرَكِ، تَمْيِيزًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
[مفهوم الموافقة]
وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْمَفْهُومِ، فَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُسَمَّى مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ، وَإِلَى مَا يُسَمَّى مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ.
أَمَّا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ فَمَا يَكُونُ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ مُوَافِقًا لِمَدْلُولِهِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا فَحْوَى الْخِطَابِ، وَلَحْنَ الْخِطَابِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى الْخِطَابِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} أَيْ فِي مَعْنَاهُ.
وَقَدْ يُطْلَقُ اللَّحْنُ وَيُرَادُ بِهِ اللُّغَةُ، وَمِنْهُ يُقَالُ " لَحَنَ فُلَانٌ بِلَحْنِهِ " إِذَا تَكَلَّمَ بِلُغَتِهِ، وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِطْنَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ " (أَيْ: أَفْطَنُ) ، وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْ نَاحِيَةِ الصَّوَابِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ إِزَالَةُ الْإِعْرَابِ عَنْ جِهَةِ الصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute