للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَأْتِ بِصَرِيحِ الْقَذْفِ، وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ مَجِيءَ الشَّهَادَةِ، وَلَا بِمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، كَاللَّعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ وَشُرْبِ النَّبِيذِ وَنَحْوِهِ، وَلَا بِالتَّدْلِيسِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ لَمْ يُعَاصِرِ الزُّهْرِيَّ مَثَلًا، وَلَكِنَّهُ رَوَى عَمَّنْ لَقِيَهُ قَوْلًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَقِيَهُ (١) وَكَقَوْلِهِ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ وَرَاءَ النَّهْرِ، مُوهِمًا أَنَّهُ يُرِيدُ جَيْحَانَ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ بِهِ إِلَى نَهْرِ عِيسَى مَثَلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمَعَارِيضِ الْمُغْنِيَةِ عَنِ الْكَذِبِ.

[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ

اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ (٢) .

وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْعَدَالَةِ حُكْمُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي لُزُومِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الرِّوَايَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا عُدُولًا إِلَى حِينِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالْفِتَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ فِي الْعَدَالَةِ عَنِ الرَّاوِي أَوِ الشَّاهِدِ مِنْهُمْ، إِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ.


(١) تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنْ يَرْوِيَ الْمُحَدِّثُ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ، مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ بِصِيغَةٍ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الِاتِّصَالِ، كَرِوَايَةِ مَنْ لَقِيَ الزُّهْرِيَّ حَدِيثًا عَنْهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ بِصِيغَةِ عَنْ، وَقَالَ لِيُوهِمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَكَانَ عَاصَرَهُ، وَلَمْ يَلْقَهُ فَمُرْسَلٌ خَفِيٌّ، وَمَنِ اكْتَفَى بِاشْتِرَاطِ الْمُعَاصَرَةِ فِي التَّدْلِيسِ جَعَلَ الْمُرْسَلَ الْخَفِيَّ نَوْعًا مِنْهُ، وَالصَّوَابُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَبِذَلِكَ يُعْرَفُ مَا فِي كَلَامِ الْآمِدِيِّ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِمَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ.
(٢) انْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ وَطُرُقِ مَعْرِفَةِ صُحْبَتِهِ وَمَعْرِفَةِ حَالِهِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي جَعَلَهَا فِي مَطْلَعِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِصَابَةِ فِي تَمْيِيزِ الصَّحَابَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>