[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ هل يعم كل غرر]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ
قَوْلُ الصَّحَابِيِّ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَقَوْلُهُ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْجَارِ» ، وَنَحْوُهُ، اخْتَلَفُوا فِي تَعْمِيمِهِ لِكُلِّ غَرَرٍ وَكُلِّ جَارٍ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ مُعَوَّلُ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّهُ حِكَايَةُ الرَّاوِي، وَلَعَلَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ فِعْلٍ خَاصٍّ لَا عُمُومَ لَهُ فِيهِ غَرَرٌ، وَقَضَى لِجَارٍ مَخْصُوصٍ فَنَقَلَ صِيغَةَ الْعُمُومِ لِظَنِّهِ عُمُومَ الْحُكْمِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ صِيغَةً ظَنَّهَا عَامَّةً، وَلَيْسَتْ عَامَّةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَ صِيغَةً عَامَّةً.
وَإِذَا تَعَارَضَتِ الِاحْتِمَالَاتُ لَمْ يَثْبُتِ الْعُمُومُ، وَالِاحْتِجَاجُ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَحْكِيِّ لَا بِنَفْسِ الْحِكَايَةِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ مُنْقَدِحَةً غَيْرَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الرَّاوِيَ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللُّغَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ صِيغَةَ الْعُمُومِ إِلَّا وَقَدْ سَمِعَ صِيغَةً لَا يَشُكُّ فِي عُمُومِهَا، لِمَا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ مِنَ الدَّاعِي الدِّينِيِّ وَالْعَقْلِيِّ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ إِيقَاعِ النَّاسِ فِي وَرْطَةِ الِالْتِبَاسِ، وَاتِّبَاعِ مَا لَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ قَاطِعًا بِالْعُمُومِ، فَلَا يَكُونُ نَقْلُهُ لِلْعُمُومِ إِلَّا وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ الْعُمُومُ وَالْغَالِبُ إِصَابَتُهُ فِيمَا ظَنَّهُ ظَاهِرًا، فَكَانَ صِدْقُهُ فِيمَا نَقَلَهُ غَالِبًا عَلَى الظَّنِّ، وَمَهْمَا ظُنَّ صِدْقُ الرَّاوِي فِيمَا نَقَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ اتِّبَاعُهُ (١) .
(١) وَيُؤَيِّدُ الْحَمْلَ عَلَى الْعُمُومِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ حُكْمُ النَّهْيِ وَالْقَضَاءِ مَثَلًا مِنَ الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَعُمُومُ الْمَعْنَى وَالْحِكْمَةِ الَّتِي رَعَاهَا الشَّارِعُ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute