للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النَّوْعُ الثَّانِي مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ]

[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ هل هو حُجَّةً عَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ]

ِّ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُجْتَهِدِينَ إِمَامًا كَانَ أَوْ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ:

فَذَهَبَتِ الْأَشَاعِرَةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالْكَرْخِيُّ: إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

وَذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالرَّازِيُّ وَالْبَرْذَعِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ لَهُ: إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِلَّا فَلَا.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ دُونَ غَيْرِهِمَا.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، وَقَدِ احْتَجَّ النَّافُونَ بِحُجَجٍ ضَعِيفَةٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَالْإِشَارَةِ إِلَى وَجْهِ ضَعْفِهَا قَبْلَ ذِكْرِ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي ذَلِكَ.

الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} أَوْجَبَ الرَّدَّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَالرَّدُّ إِلَى مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ يَكُونُ تَرْكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ (١) ، فَالرَّدُّ إِلَى مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْوَاجِبِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَلَكِنْ عِنْدَ إِمْكَانِ الرَّدِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مُبَيَّنًا فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مُبَيَّنًا فِيهِمَا فَلَا.


(١) مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ مِنَ الْقَرَائِنِ، أَمَّا هُنَا فَقَدِ اقْتَرَنَ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ بِمَا يُعَيِّنُ حَمْلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مِنْ تَقْدِيرِ أَلَّا يَكُونَ الْحُكْمُ مُبَيَّنًا فِي النُّصُوصِ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وَقَوْلُهُ: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) وَنَحْوُهُمَا مِنْ أَدِلَّةِ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ وَشُمُولِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>