للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْأَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْقِيَاسِ]

[مُقَدِّمَةُ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى الْقِيَاسِ وَبَيَانِ أَرْكَانِهِ]

وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَخَمْسَةِ أَبْوَابٍ.

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي تَحْقِيقِ مَعْنَى الْقِيَاسِ وَبَيَانِ أَرْكَانِهِ.

أَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: قِسْتُ الْأَرْضَ بِالْقَصَبَةِ وَقِسْتُ الثَّوْبَ بِالذِّرَاعِ أَيْ قَدَّرْتُهُ بِذَلِكَ.

وَهُوَ يَسْتَدْعِي أَمْرَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ بِالْمُسَاوَاةِ، فَهُوَ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَلِهَذَا يُقَالُ: فُلَانٌ يُقَاسُ بِفُلَانٍ وَلَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ أَيْ يُسَاوِيهِ وَلَا يُسَاوِيهِ.

وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ فَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى قِيَاسِ الْعَكْسِ وَقِيَاسِ الطَّرْدِ.

أَمَّا قِيَاسُ الْعَكْسِ فَعِبَارَةٌ عَنْ تَحْصِيلِ نَقِيضِ حُكْمٍ مَعْلُومٍ مَا فِي غَيْرِهِ ; لِافْتِرَاقِهِمَا (١) فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ لَمَا كَانَ شَرْطًا لَهُ عِنْدَ نَذْرِهِ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا، كَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ لَمْ تَكُنْ مِنْ شَرْطِهِ إِذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا، فَالْأَصْلُ هُوَ الصَّلَاةُ وَالْفَرْعُ هُوَ الصَّوْمُ، وَحُكْمُ الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ، وَالثَّابِتُ فِي الصَّوْمِ نَقِيضُهُ، وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدِ افْتَرَقَا فِي الْعِلَّةِ (٢) لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا لَمْ تَكُنِ الصَّلَاةُ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِيهِ حَالَةَ النَّذْرِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الصَّوْمِ ; لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ حَالَةَ النَّذْرِ إِجْمَاعًا. (٣)


(١) لِافْتِرَاقِهِمَا: الصَّوَابُ لِتَنَافِيهِمَا فَإِنَّ مُجَرَّدَ الِافْتِرَاقِ فِي الْعِلَّةِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا لَا يُوجِبُ التَّنَاقُضَ فِي الْحُكْمِ
(٢) افْتَرَقَا فِي الْعِلَّةِ أَيْ تَنَافَيَا فِيهَا وَتَقَابَلَا بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ
(٣) وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَيْضًا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: " {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} " فَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ التَّفَرُّدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْأُلُوهِيَّةِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ اسْتِقْلَالًا أَوِ اشْتِرَاكًا لِتَنَافِيهِمَا فِي الْمُوجِبِ، وَهُوَ الْخَلْقُ فَلِلَّهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَحْدَهُ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: " {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} " الْآيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ النَّحْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>