للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خَاتِمَةُ فِي أَنْوَاعِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْعِلَّةُ]

الْخَاتِمَةُ

فِي أَنْوَاعِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْعِلَّةُ. (١) وَلَمَّا كَانَتِ الْعِلَّةُ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ وَمَنَاطَهُ فَالنَّظَرُ وَالِاجْتِهَادُ فِيهِ إِمَّا فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ أَوْ تَنْقِيحِهِ أَوْ تَخْرِيجِهِ.

أَمَّا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ فَهُوَ النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا فِي نَفْسِهَا (٢) وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوِ اسْتِنْبَاطٍ.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالنَّصِّ، فَكَمَا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِإِيمَاءِ النَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَكَوْنُ هَذِهِ الْجِهَةِ هِيَ جِهَةُ الْقِبْلَةِ فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ، فَمَظْنُونٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ فِي الْأَمَارَاتِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً بِالْإِجْمَاعِ فَكَالْعَدَالَةِ، فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.

وَأَمَّا كَوْنُ هَذَا الشَّخْصِ عَدْلًا فَمَظْنُونٌ بِالِاجْتِهَادِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَظْنُونَةً بِالِاسْتِنْبَاطِ، فَكَالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فَإِنَّهَا مَنَاطُ تَحْرِيمِ الشُّرْبِ فِي الْخَمْرِ (٣) فَالنَّظَرُ فِي مَعْرِفَتِهَا فِي النَّبِيذِ هُوَ تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ، وَلَا نَعْرِفُ خِلَافًا فِي صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ مَعْلُومَةً بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ (٤) ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِيمَا إِذَا كَانَ مَدْرَكُ مَعْرِفَتِهَا الِاسْتِنْبَاطُ.


(١) مَنَاطُ الْحُكْمِ وَمُتَعَلِّقُهُ كَمَا يَكُونُ عِلَّةً مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً يَكُونُ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، فَتَفْسِيرُ الْمَنَاطِ بِالْعِلَّةِ تَفْسِيرٌ لَهُ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ.
(٢) تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ قَدْ يَكُونُ بِتَطْبِيقِ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمَنْصُوصَةِ أَوِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي آحَادِ الصُّوَرِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّظَرِ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ، فَتَعْرِيفُ الْآمِدِيِّ لَهُ بِمَا ذَكَرَ تَعْرِيفٌ بِالْأَخَصِّ.
(٣) مَنَاطُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ مَنْصُوصٌ لَا مُسْتَنْبَطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إِلَى قَوْلِهِ: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ. "
(٤) وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي تَحْقِيقِ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الثَّابِتَةِ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>