للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا إِجْمَاعُ الْعُقَلَاءِ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ، وَأَنَّهُ وَاقِعٌ مَوْجُودٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا امْتِنَاعَ تَفْسِيرِهِ بِالصِّيغَةِ وَالْإِرَادَةِ بِمَا سَبَقَ، فَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْنِيُّ بِالطَّلَبِ، وَالنِّزَاعُ فِي تَسْمِيَتِهِ بِالطَّلَبِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ عَلَى وُجُودِهِ، فَآيِلٌ إِلَى خِلَافٍ لَفْظِيٍّ.

[الْبَحْثُ الثَّالِثُ فِي الصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَمْرِ]

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِكَلَامِ النَّفْسِ (١) هَلْ لِلْأَمْرِ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فِي اللُّغَةِ، أَمْ لَا.

فَذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ تَابَعَهُ إِلَى النَّفْيِ، وَذَهَبَ مَنْ عَدَاهُمْ إِلَى الْإِثْبَاتِ.

قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ، وَالَّذِي نَرَآهُ أَنَّ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ خَطَأٌ.

فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ " أَمَرْتُكَ وَأَنْتَ مَأْمُورٌ " صِيغَةٌ خَاصَّةٌ بِالْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ بِالْأَمْرِ، أَوْ لِكَوْنِهَا مُتَرَدِّدَةً فِي اللُّغَةِ بَيْنِ مَحَامِلٍ كَثِيرَةٍ يَأْتِي ذِكْرُهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِاسْتِبْعَادِ هَذَا الْخِلَافِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ " أَمَرْتُكَ وَأَنْتَ مَأْمُورٌ " لَا يَرْفَعُ هَذَا الْخِلَافَ، إِذِ الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْإِنْشَاءِ، وَمَا مِثْلُ (٢) هَذِهِ الصِّيَغِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا إِخَبَارَاتٌ عَنِ الْأَمْرِ لَا إِنْشَاآتٌ.

وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ صِحَّةَ اسْتِعْمَالِهَا لِلْإِنْشَاءِ، فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنِ اسْتِعْمَالِ صِيغَةِ الْخَبَرِ لِلْإِنْشَاءِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: طَلَّقْتُ وَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَنَحْوِهِ.


(١) كَلَامُ اللَّهِ النَّفْسِيِّ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى، لَيْسَتْ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ، وَهِيَ مَعْنًى وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ عَبَّرَ عَنْهُ بِافْعَلْ مَثَلًا كَانَ أَمْرًا، وَبِلَا تَفْعَلْ كَانَ نَهْيًا إِلَخْ، قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ تَعْلِيقًا ص ١٥٣ ج١
(٢) وَمَا مِثْلُ - كَانَ فِيهِ تَحْرِيفًا وَلَعَلَّ الصَّوَابَ وَمَا كَانَ مِثْلُ إِلَخْ

<<  <  ج: ص:  >  >>